يقول: وأما أمته فكل واحد منه غير معصوم بل يجوز عليه الغلط والخطأ والنسيان، ويجوز أن تكون رؤياه حلم، وكشفه غير حقيقي، وإن تبين في الوجود صدقه واعتيد ذلك فيه والطرد فإمكان الخطأ والوهم باق وما كان هذا شأنه لم يحص أن يقطع به حكمه، وأيضًا فإن كان مثل هذا معدودًا بالإطلاع الغيبي كالآيات والأحاديث تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:- "في خمس لا يعلمهن إلا الله" ثم تلي قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} إلى أخر صورة لقمان، وقال عز وجل: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } .
وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} فالاستثناء في علم الغيب هو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، فبقي ما عدا الرسل على الحكم الأول وهو امتناع علم الغيب عليهم، وقال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} وقال عز وجل: { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ }، وفي حديث عائشة: «من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، يعلم ما في غدٍ فقد أعظم الفرية على الله» فتعاضدت الآيات والأخبار، وتكررت في أنه لا يعلم الغيب إلا الله تبارك وتعالى، وإن كان هذا يطيل عمومًا من حيث صحة تلك الظواهر فيخرج من سوى الأنبياء من أن يشتركوا مع الأنبياء عليهم السلام في العلم بالمغيبات التي يطلعهم الله عليها كما ذكرنا.
أما ما ذكر عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فمما لا ينبني عليه الحكم ما ذكر عن بعض الصحابة في مثل هذا مما لا ينبني عليه حكم، إذ لم يشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثلًا رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان، الحجية ليست في الرؤيا في حد ذاتها، وإنما الحجية في أن النبي صلى الله عليه وسلم، أقره وحكم بأن هذه رؤيا من الله عز وجل واضح، وأمره أن يلقنه أو يعلمه بلالًا فيؤذن فالحجية هنا في ماذا؟ في فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، أما ما وقع من خلاف ذلك عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم فنحن نقول لا ينبني عليه حكم، لأنه لم يشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما وقوعه على حسب ما أخبروه فهو مما يظن بهم، ولكنهم لا يعاملون أنفسهم إلا بأمر مشترك لجميع الأمة، يعني حتى الذين حصل لهم إلهام كأبي بكر وعمر مثلاً، فإنهم لم يقولوا نحن الشيخان، نحن أفضل الصحابة على الإطلاق لم يقل أحد منهم ذلك، وإنما عاملو أنفسهم بالقاعدة المشتركة بينه وبين جميع الأمة وهي جواز الخطأ، ولذلك قال أبو بكر في القصة المعروفة لما أخبر بنوع الجنين، الذي هو حبلٌ قال في بنته يعني قال أُراها جارية، أراها يعني أظنها، أظنها جارية ولم يقطع بذلك رضي الله تعالى عنه، أيضًا القصة المشهورة يا سارية الجبل مع أنها صحت من حيث السند لكنها لا تفيد حكمًا شرعيًا لا يؤخذ منها حكمًا شرعي، وهي أيضًا لا تفيد أن كل ما سواها مثلها، وإن سلم إن سلمنا أنها أيضًا تفيد حكمًا فنقول أن هذا استثناء بالنسبة لعمر رضي الله تعالى عنه، لماذا؟ لخصية معينة أختص بها عمر وهي أن الشيطان كان يفر من عمر رضي الله تعالى عنه.