المقدمة
دين الإسلام هو الدين الخاتم الذي أوجب الله على جميع الناس الإيمان به منذ مبعث النبي عليه الصلاة والسلام وإلى قيام الساعة؛ فليس مخصوصا بفئة، أو مرتبطا بقوم، أو محدودا بحقبة؛ قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]، وقال عليه الصلاة والسلام: (وبعثت إلى كل أحمر وأسود)([1]).
وحتى تقوم حجة الله على البشر فلا بد أن تبلغهم باللسان الذي يفهمون؛ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم: 4].
قال ابن كثير رحمه الله: (هذا من لطفه تعالى بخلقه: أنه يرسل إليهم رسلا منهم بلغاتهم؛ ليفهموا عنهم ما يريدون وما أُرسلوا به إليهم)([2]).
ومن هنا تبرز أهمية –بل ضرورة- ترجمة الوحي الكريم -كتابا وسنة- إلى اللغات المختلفة؛ فالإسلام رسالة عالمية؛ فيجب أن تبلغ ما بلغ الليل والنهار.
ولقد توالت الجهود في القيام بهذا الواجب المؤكد، ونهض إلى أدائه فئام من الناس منذ مئات السنين، فأثمرت هذه الجهود ترجمات كثيرة، منها الصالح، ومنها دون ذلك؛ بحسب تنوع مشارب المترجمين وعلمهم ومقدرتهم على الترجمة.
وقد انبعثت من بين هذه الأعمال الكثيرة مشكلة كبرى تستوجب أن تُصرف العناية إلى علاجها؛ ألا وهي الأخطاء العلمية الواقعة في تلك الترجمات؛ إذ كثير من تلكم الترجمات المنشورة تحمل في طياتها تقريرات مخالفة للحق، مجانبة للصواب.
إنه لمن الغني عن البيان أن الترجمة قضية بالغة الصعوبة، وأن الشروط التي تشترط في المترجم ليست سهلة، وبسبب تخلف بعض تلك الشروط وقع في جملة من تلك الترجمات أغلاط كثيرة، طالت جوانب متنوعة، غير أنها جميعا تصبح هيّنة أمام ما يمس حمى العقيدة وجناب التوحيد؛ فالأصل أن المخالفة في باب الاعتقاد ليست كالمخالفة في غيره؛ فرب زلة من هذا الباب نقضت إيمان المرء بالكلية، أو أنقصته وقدحت فيه، قال الشافعي رحمه الله: (والله لأن يفتي العالم فيقال: أخطأ العالم، خير من أن يتكلم فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله)([3])
قال الذهبي معلقا: (هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع)([4])
وإذا كان الأمر بهذه المثابة؛ فلا شك أن القيام بواجب البيان والتحذير من تلكم الأخطاء العقدية من الواجبات العظام، ومن فروض الكفايات، وهو ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن التواصي بالحق، ومن النصح لكل مسلم.
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: (وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة؛ مثل نَقَلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون ... ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء)([5]).
وبناء على ما سبق فقد رغبتُ –في هذا البحث المختصر- في أن ألفت النظر إلى أهمية هذه القضية، وأن أشير إلى مهمات أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، وإلى طرف من التدابير التي تقي –بتوفيق الله-من الوقوع في ضرر تلك الأخطاء.
وأعتقد أنه لن يدرك أهمية الموضوع من المعتنين بالترجمات -ترجمة وطباعة ونشرا- إلا من للعقيدة السلفية في نفوسهم أهمية لا تجارى، ومكانة لا تبارى.
وقد كان تخصيص البحث بترجمات السنة –مع اشتراك ترجمات معاني القرآن في كل متعلقات الموضوع-نظرا إلى أن ترجمات معاني القرآن قد نالت حظا لا بأس به من العناية والتنقيح والتصويب؛ في حين أن ترجمات كتب السنة لم تنل –في رأيي- مثل تلك العناية.
وقد وسمت البحث بـ: الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية: أسبابها، والتدابير الواقية منها.
وقد جعلته –بعد هذه المقدمة- في مبحثين:
الأول: أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية.
الثاني: التدابير الواقية من تلك الأخطاء.
هذا وقد سلكت في كتابة البحث المسلك المتبع لدى الباحثين في التوثيق والنقل والاقتباس وعزو الآيات وتخريج الأحاديث واستعمال علامات الترقيم وما إلى ذلك.
كما أنني استعنت في الوقوف على نماذج من الأخطاء العقدية في ترجمات كتب الحديث المختلفة ببعض الإخوة من الأساتذة وطلاب العلم من أهل اللغات التي كتبت بها الترجمات، فلهم مني الشكر والتقدير .. والحمد لله، ومنه أستمد العون والتوفيق.
بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية والتي عُقدت بالرياض في الفترة من 23، 25/صفر/1429هـ، يبين بعض أسباب وقوع الأخطاء العقدية في ترجمات السنة النبوية، مع بيان بعض التدابير الواقية من تلك الأخطاء.
قراءة و تحميل كتاب الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة النجدية وموقفهم من آل البيت عليهم السلام PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب علماء وحكماء من الغرب انصفوا الإسلام PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب النفحات الزكية من المراسلات العلمية PDF مجانا