إنَّ كنوز القرآن الكريم لا تنفد،وعطاؤه لا ينتهي،فهو مفرق الطريق بين الحق والباطل،وبين الإنسان الملتزم به وبين الإنسان المتبع لهواه،بين من يعيش بين جدران الجسد والحياة المادية كما تعيش الأنعام،وبين الإنسان الذي يعيش في الدنيا وهو يتطلع إلى الآخرة،بين العدل والظلم،بين الحياة الحقيقية وبين حياة بقية المخلوقات،بين السعادة والشقاء،بين من يجاهد لإعلاء كلمة الله وبين من يجاهد لإعلاء كلمة الشيطان،بين من ينتصر للحق وبين من يدافع عن الباطل،بين الثبات والخور،بين من يعمر حياته بالخير وبين من يعمر حياته بالشر،بين من يشري نفسه لله وبين من يشريها لغيره،بين من يحمل همَّ الأمة،وبين من لا يحمل إلا همَّ نفسه،بين الصبر والضجر،بين العمل والكسل،بين الارتقاء وبين الهبوط،بين من يمشي على على صراط مستقيم وبين من يمشي مكبا على وجهه....
قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك:٢٢]
وَهَذَا مَثَلٌ يَضْرِبُهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ وَالكَافِرِ،فَالكَافِرُ مَثَلُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ كَمَثَلِ مَنْ يَمْشِي مُنْحَنِياً يَتَعَثَّرُ فِي طَرِيقِهِ،وَيَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ لِتَوْعُّرِ طَرِيقِهِ،لاَ يَعْرِفُ أَيْنَ يَسْلُكُ،وَلاَ كَيْفَ يَذْهَبُ،وَالمُؤْمِنُ مَثَلُهُ كَمَثَلِ مَنْ يَمْشِي مُنْتَصِبَ القَامَةِ،مُسْتَوِياً،فَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ مَسْلَكِهِ،وَعَلَى هُدًى مِنْ طَرِيقِهِ،فَكَمَا أَنَّهُ لاَ يَسْتَوِي الذِي يَسِيرُ مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ،مَعَ مَنْ يَسِيرُ مُنْتَصِبَ القَامَةِ،كَذَلِكَ لاَ يَسْتَوِي المُؤْمِنُ،الذِي يَكُونُ عَلَى هُدًى وَبَصِيرَةٍ وَبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ،مَعَ الكَافِرِ،الذِي ضَلَّ طَرِيقَ الهُدَى وَالرَّشَادِ .
إن الحال الأولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق اللّه،المحروم من هداه،الذي يصطدم بنواميسه ومخلوقاته،لأنه يعترضها في سيره،ويتخذ له مسارا غير مسارها،وطريقا غير طريقها،فهو أبدا في تعثر،وأبدا في عناء،وأبدا في ضلال.
والحال الثانية هي حال السعيد المجدود المهتدي إلى اللّه،الممتع بهداه،الذي يسير وفق نواميسه في الطريق اللاحب المعمور،الذي يسلكه موكب الإيمان والحمد والتمجيد.وهو موكب هذا الوجود كله بما فيه من أحياء وأشياء.
إن حياة الإيمان هي اليسر والاستقامة والقصد.وحياة الكفر هي العسر والتعثر والضلال.فأيهما أهدى؟ وهل الأمر في حاجة إلى جواب؟ إنما هو سؤال التقرير والإيجاب! ويتوارى السؤال والجواب ليتراءى للقلب هذا المشهد الحي الشاخص المتحرك..مشهد جماعة يمشون على وجوههم،أو يتعثرون وينكبون على وجوههم لا هدف لهم ولا طريق.ومشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات،مستقيمة الخطوات،في طريق مستقيم،لهدف مرسوم. (١)
وفي هذا الكتاب كثير من هذه المفارق،ومن العسير حصرها،وهي مشروحة بشكل واضح...قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الرعد:١٩]
أسأل الله تعالى أن ينفع به جامعه وقارئه وناشره والدالُّ عليه في الدارين.
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
قراءة و تحميل كتاب رسالة أخوية إلى أصحاب المحلات التجارية PDF مجانا