القانون
الرجوع عن الإقرار بما يوجب حداً
الشيخ/ راشد بن فهد آل حفيظ (*)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا ذكر للخلاف في مسألة الرجوع عن الإقرار بما يوجب حداً (1)، أيقبل او لا؟
فأقول مستعيناً بالله:
لقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: قبول رجوعه مطلقاً.
وإليه ذهب الحنفية (2)ـ، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وهو الرواية المشهورة عند المالكية (5).
واستدلوا لذلك بما يلي:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر قصة ما عز رضي الله عنه حين شهد على نفسه بالزنا، وفيه:
أن النبي صلي الله عليه وسلم أعرض عنه، وردده مراراً (6)، وقال له: "ويحك، ارجع فاستغفر الله، وتب إليه". (7) وفيه:
أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: "لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت" (8) وفيه:
أن النبي صلي الله عليه وسلم قال للذين رجموه حين هرب لما وجد مس الحجارة: "فهلا تركتموه" (9) وفي رواية: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه" (10).
وجه الاستدلال:
أن هذا الحديث يدل على قبول رجوعه من وجهين:
الأول: كونه صلي الله عليه وسلم أعرض عنه، وردده، وعرض له بالرجوع، وإلا لما كان لذلك فائدة (11).
الثاني: كونه صلي الله عليه وسلم قال لمن رجمه بعد هربه: "هلا تركتموه" لأن الهرب دليل الرجوع"(12).
ويمكن مناقشة الوجه الأول بما يلي:
أن الرسول صلي الله عليه وسلم إنما فعل مع ماعز ما فعله من ترديد، وإعراض، وتعويض، لأمرين:
الأول: كون ماعز رضي الله عنه قد جاء تائباً.
وهكذا يفعل الترديد، والإعراض، والتعريض بالرجوع عن الإقرار مع كل مقر جاء تائباً معترفاً بذنبه بخلاف غيره، فلا يفعل معه ذلك، فإذا رجع عن إقراره وقد جاء تائباً قبل منه رجوعه، بل إذا رجع عن طلب إقامة الحد عليه ترك ولو لم يرجع عن إقراره لحديث ماعز، فإنه لما هرب حين وجد مس الحجارة قال الرسول صلي الله عليه وسلم لمن رجمه: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليه" مما يدل على أنه لم يرجع عن إقراره، وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه –كما سيأتي- فيقبل منه ذلك، ويسقط عنه الحد، ويترك، لكونه قد جاء تائباً معترفاً بذنبه، ومن هذه حاله لا تجب إقامة الحد عليه أصلاً إلا بطلبه، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يقمه على ماعز والغادية إلا بعد طلبهما لذلك وإصرارهما عليه أما مجرد إقرارهما فلا يعتبر طلباً لإقامة الحد عليهما، ولذلك لم يلتفت إليه الرسول صلي الله عليه وسلم بل أعرض عنه (13).
الثاني: كونه صلي الله عليه وسلم يريد الاستثبات (14).
ويدل لذلك أنه صلي الله عليه وسلم سأله: "أبك جنون"؟ قال: لا (15).
وسأل عنه: "أبا جنون؟"، "أشرب خمراً؟" (16).
وأرسل إلى قومه، وسألهم: "أتعلمون بعقله بأساً؟ أتنكرون منه شيئاً؟" (17).
ويدل لذلك أيضاً ما جاء عن جابر رضي الله عنه أن الرسول صلي الله عليه وسلم إنما قال: "فهلا تركتموه، وجئتموني به" ليستثبت منه، ليس إلا، فأما لترك حد فلا" (18).
قال ابن حجر:
"وفيه- يعني حديث ماعز- التثبت في إزهاق نفس المسلم، والمبالغة في صيانته، لما وقع في القصة من ترديده، والإيماء إليه بالرجوع، والإشارة إلى قبول دعواه، إن ادعي إكراها .." (19).
قال الشوكاني:
"وليس الاستثبات بإسقاط، ولا من أسبابه" (20).
ويمكن مناقشة الوجه الثاني بما يلي:
بأن ماعزاً رضي الله عنه لم يرجع عن إقراره البتة، وإنما رجع عن طلب إقامة الحد عليه، ويدل لذلك ما يلي:
أولاً: ما جاء عن بريدة رضي الله عنه أنه قال: "كنا- أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما، أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، وإنما رجمهما عند الرابعة" (21).
فقوله: "لو رجعا بعد اعترافهما .." يدل على عدم رجوعهما عن اعترافهما البتة، وكون الرسول صلي الله عليه وسلم لن يطلبهما، فلأنهما جاءا تائبين، وهكذا يفعل مع كل مقر قد جاء تائباً.
ثانياً: ما جاء في بعض روايات الحديث، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: "كنت فيمن رجل الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني وأخبروني أن رسول الله صلي الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخبرناه قال: "فهلا تركتموه وجئتموني به" ليتثبت رسول الله منه، فأما لترك حد فلا"(22).
قراءة و تحميل كتاب الجناية علي النفس بالصعق الكهربائي PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الحماية الجنائية للجنين في الشريعة والقانون PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الحماية الجنائية للحق في براءة الاختراع بين الفقه والقانون PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الرجوع عن الإقرار فيما موجبه التعزير PDF مجانا
قراءة و تحميل كتاب الدافع والباعث علي الجريمة وأثرها في العقوبات التعزيزية PDF مجانا