كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمةكتب إسلامية

كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة، لحيدر قاسم مطر التميمي (في224 صفحة)، الذي يبحث في العلاقة بين الاستشراق وعلم تحقيق النصوص، وكيف ساهم المستشرقون في تحقيق التراث العربي الخاص بعلم الكلام ونشره؛ إذ لا يتأتَّى اشتغال المستشرقين بدراسة هذا التراث وتحقيقه إلّا بسبب إدراكهم أهميته وأثره الكبير، واعترافهم بما قدّمه العرب المسلمون للحضارة الإنسانية. يحاول المؤلف في المقدمات المنهجية للكتاب تقديم تمهيد هو أشبه ما يكون بتعريف أربعٍ من دعائم التراث العربي الخاص بعِلم الكلام ومفاهيمه. ويعرض أبرز النِتاجات العلمية التي تناولت علم الكلام الإسلامي بالبحث والدراسة، إضافة إلى جهود المستشرقين ومناهجهم في فهرسة المخطوطات. كما يضمِّن كتابه دراسة وصفية يحصي فيها تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علم الكلام الإسلامي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وما ترجمه بعضهم من هذه المؤلَّفات إلى اللغات الأوروبية. الاستشراق ونفائس المخطوطات عمد الكاتب في البدء إلى استعراض أهم ما تقدّم بشأن مصطلح الاستشراق ومفهومه من دراسات وآراء توضح ماهيته ومدلولاته وأبرز مجالاته التي خاض فيها، وما كان له من أثر بارز في تحديد معالمها؛ حاول الباحث توضيح هذا المفهوم الخاص بالاستشراق، بالتركيز على استخلاصه من جهة صانعه وليس من جهة منتقديه ومعارضيه، كونهم الأَولى بأن يقدّموا لنا التعريف الأدق والأمثل لما أنتجوه من دراسات علمية – أكاديمية وجّهت في صورة رئيسة نحو العالم الإسلامي في محاولة جادة منهم لكشف النقاب عن أسرار هذا العالم والتعرف إليه من كثب. وخاض الفصل الأول من الكتاب في تعريف المخطوطات وعلمها، مع بيان مفهوم هذين المصطلحين ودلالتهما. وقدَّم الباحث، تحت عنوان "الطباعة العربية في أوروبا... النشأة والتطور"، سردًا موجزًا وشاملًا، قدر الإمكان، لتاريخ الطباعة باللغة العربية في القارة العجوز، راعى فيه التسلسل الزمني، مع إشارة إلى المحطات الكبرى في تاريخ هذه الطباعة. وبحث في طبيعة العلاقة التي ربطت الاستشراق بنفائس المخطوطات لتودع في نهاية المطاف في مكتبات أوروبا، العامة منها والخاصة، متتبّعًا خطوات الرحالة الأوائل في بحثهم الدؤوب عن هذه الكنوز المدفونة قرونًا طوالًا في غياهب الأقبية والمكتبات العتيقة. وتزخر الكتب القديمة بعناوين كتب لم يُعثر على أصولها، وهو ما يشير إلى قدر المفقود من المخطوطات العربية، لكن الأوروبيين وغيرهم من المستشرقين ممن فُتنوا بحضارة الشرق حرصوا على جمع المخطوطات العربية في فترات مختلفة من التاريخ، ما أدى إلى تناثر المخطوطات العربية في مكتبات العالم، فتوزعت أصول الحضارة العربية في دول عدة. حصر الباحث مساهمات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمسة مجالات، هي في النهاية المجالات المهمة التي يمكن أن يخدم التراث من خلالها، وهي كما يلي: البحث عن المخطوطات، والرحلة إليها، وجمعها، ونقلها، وحفظها، وصيانتها. فهرسة المخطوطات، وتوثيقها وضبطها وراقيًّا (وعائيًّا أو بيبليوغرافيًّا)، وربما كشفها وتلخيصها. تحقيق كتب التراث العربي - الإسلامي. الدراسات والبحوث حول التراث، مع العناية بالمعاجم. ترجمة التراث العربي - الإسلامي إلى اللغات الأجنبية المختلفة. علم الكلام الإسلامي في الدراسات الاستشراقية بحث المستشرقون في علم الكلام الإسلامي منذ نشأته وتاريخه، مرورًا بأطواره، وتناولوا العوامل التي ساعدت في تكوينه، التي منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. فعن نشأته، أبدى أكثر المستشرقين صعوبة تحديد بدايتها، وذكر ذلك المستشرق الألماني باريت، بقوله: "من المتعذر أن تحدد بدقة العصر الذي صار فيه مصطلح ’علم الكلام‘ يعني علمًا دينيًّا مستقلًا"، الأمر الذي أدى إلى جدل وخلافات في شأنه. يقول المستشرق الأميركي ديمتري غوتاس: "إن بدايات علم الكلام هي موضوع كثر الجدل حوله". لكن هذا لم يثن المستشرقين عن تحديد بدايات علم الكلام الإسلامي التي كانت في نظرهم مع بداية الدين الإسلامي نفسه، وهذا ما يسمونه الوسائل أو العوامل الداخلية؛ فالإسلام في نظر المستشرقين لم يكن دينًا كاملًا ومتكامل البناء، ثم إنه يحتاج إلى علم الكلام ليتمّه ويكمل بنيانه. يقول المستشرق المجري إغناتس غولدتسيهر (1850-1921) Ignác Goldziher في هذا الشأن: "ليس الأنبياء من رجال علم الكلام، فالرسالة التي يأتون بها بدافع إدراكهم المباشر، وكذلك المعارف الدينية التي يوقظونها، لا تتمثل كهيكل مذهب مبني طبقًا لخطة روي فيها مقدمًا، بل كثيرًا ما تتحدى كل محاولة للتنسيق المذهبي. يجب إذًا الانتظار إلى أن تأتي الأجيال التالية، حيث تؤدي الثقافة المشتركة للأفكار المستقاة من الأنصار والأوائل، إلى تكوين طائفة محددة؛ عندئذ تتخذ تلك الأفكار شكلًا مجسّمًا، من طريق وسائل داخلية في الطائفة نفسها أو بفعل تأثيرات البيئة المحيطة، وهذه الأفكار تتقدم بواسطة من يشعرون بأنهم مختارون ليكونوا المفسرين لما أتى به النبي. بذلك يسدون ما يكون في التعاليم النبوية من ثغرات". هكذا، تتحدد نظرة المستشرقين إلى نشأة علم الكلام الإسلامي، في أنه نشأ من داخل المجتمع الإسلامي، وبسبب نقص تعاليم القرآن الكريم والدين الإسلامي وتناقضها، التي اتضح أنها نظرة مبنية على أمور خطِرة، من أهمها: الطعن في الدين الإسلامي ووصفه بأنه دين من وضع محمد؛ الطعن في القرآن الكريم، فهو عندهم كتابٌ ليس فيه عقيدة واضحة، ولا إعجاز، اختلف المسلمون الأوائل حول قراءاته التي وحّدها الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان (47 ق.ه./35 ه) في مصحف واحد، فكانت نظرتهم إلى القرآن الكريم تشبه نظرتهم إلى الإنجيل؛ جعل الفضل لما وصل إليه الإسلام من ترتيب عقائدي منظم ومفسر لجميع ما فيه لا يعود إلى الدين نفسه، كونه دينًا ناقصًا ومتناقضًا، بل إلى أمور هي من خارجه، كالفلسفة اليونانية والاتصال بالديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية والمانوية، وغيرها. ولم تقتصر أعمال المستشرقين على التأليف والكتابة، بل إنها تنوعت في عدد من الأشكال، منها التدريس الجامعي الذي لا تخلو جامعة منه تقريبًا، بل قد يكون في بعض الجامعات الغربية تخصصات متنوعة تعنى بالدراسات الإسلامية، منها ما يتناول دراسة اللغة العربية، ومنها ما يختص بدراسة تاريخ الإسلام وحضارته، حيث تمد هذه الجامعات مكتبات مليئة بالمصادر والمراجع العربية والإسلامية، فتؤهل هذه الجامعات الدارسين ليواصلوا العمل في المجال الاستشراقي، فضلًا عن جمع المستشرقين المخطوطات والمحافظة عليها وصيانتها من التلف، وفهرستها فهرسةً علمية. دارت مناقشات طويلة حول موضوع فهرسة المخطوطات بين العلماء والمكتبيين منذ عقود تكاد تُعَد - من بعض الوجوه - نوعًا من المناقشات البيزنطية؛ لأنها لم تفض إلى خلاصات يطمئن إليها المختصون في معظم الجهات. إن الفهرسة ليست مشكلًا يخص التراث العربي وحده، بل هي مشكل يهم الدراسات الأجنبية كذلك؛ فمنذ أربعينيات القرن الماضي، نرى علماء الغرب يدعون إلى توحيد فهرسة المخطوطات اليونانية واللاتينية، وغيرها من مخطوطات اللغات الفرعية، فهل نجحوا في مسعاهم؟ وهل وضعوا فهارس موحدة تفي بالمواصفات الضرورية للتعريف بالمصطلح؟ لذا، ناقش الكتاب دور المستشرقين في حفظ التراث العربي - الإسلامي من المخطوطات الأصلية والنادرة، سواء في مكتباتهم الخاصة أو في المكتبات العامة، وفهرستها فهرسةً علمية مبنية على أصول وقواعد منهجية رصينة، ساهمت في تذليل العقبات أمام سبل الوصول إلى هذه الكنوز المعرفية والاستفادة منها. أكسب هذا الدور الحركة الاستشراقية بصورة عامة معظم رصيدها من الإشادة والإيجابية.
حيدر قاسم مطر التميمي - أستاذ مساعد، حاصل على الدكتوراه في التاريخ والفكر الإسلامي والاستشراق من جامعة بغداد (2015). رئيس أبحاث في قسم الدراسات التاريخية في مؤسسة بيت الحكمة العلمية. فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة المؤلِّف الشاب (2020). من أبرز مؤلفاته: العلويون في المشرق الإسلامي وأثرهم الفكري والحضاري حتَّى القرن الخامس الهجري (2010)؛ بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الإسلامي (2011)؛ علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان: يوسف فان أس أنموذجًا (2018). ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة ❝ الناشرين : ❞ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ❝ ❱
من الاستشراق والمستشرقون كتب الردود والمناظرات - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة، لحيدر قاسم مطر التميمي (في224 صفحة)، الذي يبحث في العلاقة بين الاستشراق وعلم تحقيق النصوص، وكيف ساهم المستشرقون في تحقيق التراث العربي الخاص بعلم الكلام ونشره؛ إذ لا يتأتَّى اشتغال المستشرقين بدراسة هذا التراث وتحقيقه إلّا بسبب إدراكهم أهميته وأثره الكبير، واعترافهم بما قدّمه العرب المسلمون للحضارة الإنسانية.

يحاول المؤلف في المقدمات المنهجية للكتاب تقديم تمهيد هو أشبه ما يكون بتعريف أربعٍ من دعائم التراث العربي الخاص بعِلم الكلام ومفاهيمه. ويعرض أبرز النِتاجات العلمية التي تناولت علم الكلام الإسلامي بالبحث والدراسة، إضافة إلى جهود المستشرقين ومناهجهم في فهرسة المخطوطات. كما يضمِّن كتابه دراسة وصفية يحصي فيها تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علم الكلام الإسلامي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وما ترجمه بعضهم من هذه المؤلَّفات إلى اللغات الأوروبية.

الاستشراق ونفائس المخطوطات
عمد الكاتب في البدء إلى استعراض أهم ما تقدّم بشأن مصطلح الاستشراق ومفهومه من دراسات وآراء توضح ماهيته ومدلولاته وأبرز مجالاته التي خاض فيها، وما كان له من أثر بارز في تحديد معالمها؛ حاول الباحث توضيح هذا المفهوم الخاص بالاستشراق، بالتركيز على استخلاصه من جهة صانعه وليس من جهة منتقديه ومعارضيه، كونهم الأَولى بأن يقدّموا لنا التعريف الأدق والأمثل لما أنتجوه من دراسات علمية – أكاديمية وجّهت في صورة رئيسة نحو العالم الإسلامي في محاولة جادة منهم لكشف النقاب عن أسرار هذا العالم والتعرف إليه من كثب. وخاض الفصل الأول من الكتاب في تعريف المخطوطات وعلمها، مع بيان مفهوم هذين المصطلحين ودلالتهما.

وقدَّم الباحث، تحت عنوان "الطباعة العربية في أوروبا... النشأة والتطور"، سردًا موجزًا وشاملًا، قدر الإمكان، لتاريخ الطباعة باللغة العربية في القارة العجوز، راعى فيه التسلسل الزمني، مع إشارة إلى المحطات الكبرى في تاريخ هذه الطباعة. وبحث في طبيعة العلاقة التي ربطت الاستشراق بنفائس المخطوطات لتودع في نهاية المطاف في مكتبات أوروبا، العامة منها والخاصة، متتبّعًا خطوات الرحالة الأوائل في بحثهم الدؤوب عن هذه الكنوز المدفونة قرونًا طوالًا في غياهب الأقبية والمكتبات العتيقة.

وتزخر الكتب القديمة بعناوين كتب لم يُعثر على أصولها، وهو ما يشير إلى قدر المفقود من المخطوطات العربية، لكن الأوروبيين وغيرهم من المستشرقين ممن فُتنوا بحضارة الشرق حرصوا على جمع المخطوطات العربية في فترات مختلفة من التاريخ، ما أدى إلى تناثر المخطوطات العربية في مكتبات العالم، فتوزعت أصول الحضارة العربية في دول عدة.

حصر الباحث مساهمات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمسة مجالات، هي في النهاية المجالات المهمة التي يمكن أن يخدم التراث من خلالها، وهي كما يلي:

البحث عن المخطوطات، والرحلة إليها، وجمعها، ونقلها، وحفظها، وصيانتها.
فهرسة المخطوطات، وتوثيقها وضبطها وراقيًّا (وعائيًّا أو بيبليوغرافيًّا)، وربما كشفها وتلخيصها.
تحقيق كتب التراث العربي - الإسلامي.
الدراسات والبحوث حول التراث، مع العناية بالمعاجم.
ترجمة التراث العربي - الإسلامي إلى اللغات الأجنبية المختلفة.
علم الكلام الإسلامي في الدراسات الاستشراقية
بحث المستشرقون في علم الكلام الإسلامي منذ نشأته وتاريخه، مرورًا بأطواره، وتناولوا العوامل التي ساعدت في تكوينه، التي منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. فعن نشأته، أبدى أكثر المستشرقين صعوبة تحديد بدايتها، وذكر ذلك المستشرق الألماني باريت، بقوله: "من المتعذر أن تحدد بدقة العصر الذي صار فيه مصطلح ’علم الكلام‘ يعني علمًا دينيًّا مستقلًا"، الأمر الذي أدى إلى جدل وخلافات في شأنه. يقول المستشرق الأميركي ديمتري غوتاس: "إن بدايات علم الكلام هي موضوع كثر الجدل حوله". لكن هذا لم يثن المستشرقين عن تحديد بدايات علم الكلام الإسلامي التي كانت في نظرهم مع بداية الدين الإسلامي نفسه، وهذا ما يسمونه الوسائل أو العوامل الداخلية؛ فالإسلام في نظر المستشرقين لم يكن دينًا كاملًا ومتكامل البناء، ثم إنه يحتاج إلى علم الكلام ليتمّه ويكمل بنيانه. يقول المستشرق المجري إغناتس غولدتسيهر (1850-1921) Ignác Goldziher في هذا الشأن: "ليس الأنبياء من رجال علم الكلام، فالرسالة التي يأتون بها بدافع إدراكهم المباشر، وكذلك المعارف الدينية التي يوقظونها، لا تتمثل كهيكل مذهب مبني طبقًا لخطة روي فيها مقدمًا، بل كثيرًا ما تتحدى كل محاولة للتنسيق المذهبي. يجب إذًا الانتظار إلى أن تأتي الأجيال التالية، حيث تؤدي الثقافة المشتركة للأفكار المستقاة من الأنصار والأوائل، إلى تكوين طائفة محددة؛ عندئذ تتخذ تلك الأفكار شكلًا مجسّمًا، من طريق وسائل داخلية في الطائفة نفسها أو بفعل تأثيرات البيئة المحيطة، وهذه الأفكار تتقدم بواسطة من يشعرون بأنهم مختارون ليكونوا المفسرين لما أتى به النبي. بذلك يسدون ما يكون في التعاليم النبوية من ثغرات".

هكذا، تتحدد نظرة المستشرقين إلى نشأة علم الكلام الإسلامي، في أنه نشأ من داخل المجتمع الإسلامي، وبسبب نقص تعاليم القرآن الكريم والدين الإسلامي وتناقضها، التي اتضح أنها نظرة مبنية على أمور خطِرة، من أهمها: الطعن في الدين الإسلامي ووصفه بأنه دين من وضع محمد؛ الطعن في القرآن الكريم، فهو عندهم كتابٌ ليس فيه عقيدة واضحة، ولا إعجاز، اختلف المسلمون الأوائل حول قراءاته التي وحّدها الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان (47 ق.ه./35 ه) في مصحف واحد، فكانت نظرتهم إلى القرآن الكريم تشبه نظرتهم إلى الإنجيل؛ جعل الفضل لما وصل إليه الإسلام من ترتيب عقائدي منظم ومفسر لجميع ما فيه لا يعود إلى الدين نفسه، كونه دينًا ناقصًا ومتناقضًا، بل إلى أمور هي من خارجه، كالفلسفة اليونانية والاتصال بالديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية والمانوية، وغيرها.

ولم تقتصر أعمال المستشرقين على التأليف والكتابة، بل إنها تنوعت في عدد من الأشكال، منها التدريس الجامعي الذي لا تخلو جامعة منه تقريبًا، بل قد يكون في بعض الجامعات الغربية تخصصات متنوعة تعنى بالدراسات الإسلامية، منها ما يتناول دراسة اللغة العربية، ومنها ما يختص بدراسة تاريخ الإسلام وحضارته، حيث تمد هذه الجامعات مكتبات مليئة بالمصادر والمراجع العربية والإسلامية، فتؤهل هذه الجامعات الدارسين ليواصلوا العمل في المجال الاستشراقي، فضلًا عن جمع المستشرقين المخطوطات والمحافظة عليها وصيانتها من التلف، وفهرستها فهرسةً علمية.

دارت مناقشات طويلة حول موضوع فهرسة المخطوطات بين العلماء والمكتبيين منذ عقود تكاد تُعَد - من بعض الوجوه - نوعًا من المناقشات البيزنطية؛ لأنها لم تفض إلى خلاصات يطمئن إليها المختصون في معظم الجهات.

إن الفهرسة ليست مشكلًا يخص التراث العربي وحده، بل هي مشكل يهم الدراسات الأجنبية كذلك؛ فمنذ أربعينيات القرن الماضي، نرى علماء الغرب يدعون إلى توحيد فهرسة المخطوطات اليونانية واللاتينية، وغيرها من مخطوطات اللغات الفرعية، فهل نجحوا في مسعاهم؟ وهل وضعوا فهارس موحدة تفي بالمواصفات الضرورية للتعريف بالمصطلح؟

لذا، ناقش الكتاب دور المستشرقين في حفظ التراث العربي - الإسلامي من المخطوطات الأصلية والنادرة، سواء في مكتباتهم الخاصة أو في المكتبات العامة، وفهرستها فهرسةً علمية مبنية على أصول وقواعد منهجية رصينة، ساهمت في تذليل العقبات أمام سبل الوصول إلى هذه الكنوز المعرفية والاستفادة منها. أكسب هذا الدور الحركة الاستشراقية بصورة عامة معظم رصيدها من الإشادة والإيجابية.

للكاتب/المؤلف : حيدر قاسم مطر التميمي .
دار النشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات .
سنة النشر : 2021م / 1442هـ .
عدد مرات التحميل : 1197 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الإثنين , 1 أغسطس 2022م.

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة، لحيدر قاسم مطر التميمي (في224 صفحة)، الذي يبحث في العلاقة بين الاستشراق وعلم تحقيق النصوص، وكيف ساهم المستشرقون في تحقيق التراث العربي الخاص بعلم الكلام ونشره؛ إذ لا يتأتَّى اشتغال المستشرقين بدراسة هذا التراث وتحقيقه إلّا بسبب إدراكهم أهميته وأثره الكبير، واعترافهم بما قدّمه العرب المسلمون للحضارة الإنسانية.

يحاول المؤلف في المقدمات المنهجية للكتاب تقديم تمهيد هو أشبه ما يكون بتعريف أربعٍ من دعائم التراث العربي الخاص بعِلم الكلام ومفاهيمه. ويعرض أبرز النِتاجات العلمية التي تناولت علم الكلام الإسلامي بالبحث والدراسة، إضافة إلى جهود المستشرقين ومناهجهم في فهرسة المخطوطات. كما يضمِّن كتابه دراسة وصفية يحصي فيها تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علم الكلام الإسلامي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وما ترجمه بعضهم من هذه المؤلَّفات إلى اللغات الأوروبية.

الاستشراق ونفائس المخطوطات

عمد الكاتب في البدء إلى استعراض أهم ما تقدّم بشأن مصطلح الاستشراق ومفهومه من دراسات وآراء توضح ماهيته ومدلولاته وأبرز مجالاته التي خاض فيها، وما كان له من أثر بارز في تحديد معالمها؛ حاول الباحث توضيح هذا المفهوم الخاص بالاستشراق، بالتركيز على استخلاصه من جهة صانعه وليس من جهة منتقديه ومعارضيه، كونهم الأَولى بأن يقدّموا لنا التعريف الأدق والأمثل لما أنتجوه من دراسات علمية – أكاديمية وجّهت في صورة رئيسة نحو العالم الإسلامي في محاولة جادة منهم لكشف النقاب عن أسرار هذا العالم والتعرف إليه من كثب. وخاض الفصل الأول من الكتاب في تعريف المخطوطات وعلمها، مع بيان مفهوم هذين المصطلحين ودلالتهما.

وقدَّم الباحث، تحت عنوان "الطباعة العربية في أوروبا... النشأة والتطور"، سردًا موجزًا وشاملًا، قدر الإمكان، لتاريخ الطباعة باللغة العربية في القارة العجوز، راعى فيه التسلسل الزمني، مع إشارة إلى المحطات الكبرى في تاريخ هذه الطباعة. وبحث في طبيعة العلاقة التي ربطت الاستشراق بنفائس المخطوطات لتودع في نهاية المطاف في مكتبات أوروبا، العامة منها والخاصة، متتبّعًا خطوات الرحالة الأوائل في بحثهم الدؤوب عن هذه الكنوز المدفونة قرونًا طوالًا في غياهب الأقبية والمكتبات العتيقة.

وتزخر الكتب القديمة بعناوين كتب لم يُعثر على أصولها، وهو ما يشير إلى قدر المفقود من المخطوطات العربية، لكن الأوروبيين وغيرهم من المستشرقين ممن فُتنوا بحضارة الشرق حرصوا على جمع المخطوطات العربية في فترات مختلفة من التاريخ، ما أدى إلى تناثر المخطوطات العربية في مكتبات العالم، فتوزعت أصول الحضارة العربية في دول عدة.

حصر الباحث مساهمات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمسة مجالات، هي في النهاية المجالات المهمة التي يمكن أن يخدم التراث من خلالها، وهي كما يلي:

  1. البحث عن المخطوطات، والرحلة إليها، وجمعها، ونقلها، وحفظها، وصيانتها.
  2. فهرسة المخطوطات، وتوثيقها وضبطها وراقيًّا (وعائيًّا أو بيبليوغرافيًّا)، وربما كشفها وتلخيصها.
  3. تحقيق كتب التراث العربي - الإسلامي.
  4. الدراسات والبحوث حول التراث، مع العناية بالمعاجم.
  5. ترجمة التراث العربي - الإسلامي إلى اللغات الأجنبية المختلفة.

علم الكلام الإسلامي في الدراسات الاستشراقية

بحث المستشرقون في علم الكلام الإسلامي منذ نشأته وتاريخه، مرورًا بأطواره، وتناولوا العوامل التي ساعدت في تكوينه، التي منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. فعن نشأته، أبدى أكثر المستشرقين صعوبة تحديد بدايتها، وذكر ذلك المستشرق الألماني باريت، بقوله: "من المتعذر أن تحدد بدقة العصر الذي صار فيه مصطلح ’علم الكلام‘ يعني علمًا دينيًّا مستقلًا"، الأمر الذي أدى إلى جدل وخلافات في شأنه. يقول المستشرق الأميركي ديمتري غوتاس: "إن بدايات علم الكلام هي موضوع كثر الجدل حوله". لكن هذا لم يثن المستشرقين عن تحديد بدايات علم الكلام الإسلامي التي كانت في نظرهم مع بداية الدين الإسلامي نفسه، وهذا ما يسمونه الوسائل أو العوامل الداخلية؛ فالإسلام في نظر المستشرقين لم يكن دينًا كاملًا ومتكامل البناء، ثم إنه يحتاج إلى علم الكلام ليتمّه ويكمل بنيانه. يقول المستشرق المجري إغناتس غولدتسيهر (1850-1921) Ignác Goldziher في هذا الشأن: "ليس الأنبياء من رجال علم الكلام، فالرسالة التي يأتون بها بدافع إدراكهم المباشر، وكذلك المعارف الدينية التي يوقظونها، لا تتمثل كهيكل مذهب مبني طبقًا لخطة روي فيها مقدمًا، بل كثيرًا ما تتحدى كل محاولة للتنسيق المذهبي. يجب إذًا الانتظار إلى أن تأتي الأجيال التالية، حيث تؤدي الثقافة المشتركة للأفكار المستقاة من الأنصار والأوائل، إلى تكوين طائفة محددة؛ عندئذ تتخذ تلك الأفكار شكلًا مجسّمًا، من طريق وسائل داخلية في الطائفة نفسها أو بفعل تأثيرات البيئة المحيطة، وهذه الأفكار تتقدم بواسطة من يشعرون بأنهم مختارون ليكونوا المفسرين لما أتى به النبي. بذلك يسدون ما يكون في التعاليم النبوية من ثغرات".

هكذا، تتحدد نظرة المستشرقين إلى نشأة علم الكلام الإسلامي، في أنه نشأ من داخل المجتمع الإسلامي، وبسبب نقص تعاليم القرآن الكريم والدين الإسلامي وتناقضها، التي اتضح أنها نظرة مبنية على أمور خطِرة، من أهمها: الطعن في الدين الإسلامي ووصفه بأنه دين من وضع محمد؛ الطعن في القرآن الكريم، فهو عندهم كتابٌ ليس فيه عقيدة واضحة، ولا إعجاز، اختلف المسلمون الأوائل حول قراءاته التي وحّدها الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان (47 ق.ه./35 ه) في مصحف واحد، فكانت نظرتهم إلى القرآن الكريم تشبه نظرتهم إلى الإنجيل؛ جعل الفضل لما وصل إليه الإسلام من ترتيب عقائدي منظم ومفسر لجميع ما فيه لا يعود إلى الدين نفسه، كونه دينًا ناقصًا ومتناقضًا، بل إلى أمور هي من خارجه، كالفلسفة اليونانية والاتصال بالديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية والمانوية، وغيرها.

ولم تقتصر أعمال المستشرقين على التأليف والكتابة، بل إنها تنوعت في عدد من الأشكال، منها التدريس الجامعي الذي لا تخلو جامعة منه تقريبًا، بل قد يكون في بعض الجامعات الغربية تخصصات متنوعة تعنى بالدراسات الإسلامية، منها ما يتناول دراسة اللغة العربية، ومنها ما يختص بدراسة تاريخ الإسلام وحضارته، حيث تمد هذه الجامعات مكتبات مليئة بالمصادر والمراجع العربية والإسلامية، فتؤهل هذه الجامعات الدارسين ليواصلوا العمل في المجال الاستشراقي، فضلًا عن جمع المستشرقين المخطوطات والمحافظة عليها وصيانتها من التلف، وفهرستها فهرسةً علمية.

دارت مناقشات طويلة حول موضوع فهرسة المخطوطات بين العلماء والمكتبيين منذ عقود تكاد تُعَد - من بعض الوجوه - نوعًا من المناقشات البيزنطية؛ لأنها لم تفض إلى خلاصات يطمئن إليها المختصون في معظم الجهات.

إن الفهرسة ليست مشكلًا يخص التراث العربي وحده، بل هي مشكل يهم الدراسات الأجنبية كذلك؛ فمنذ أربعينيات القرن الماضي، نرى علماء الغرب يدعون إلى توحيد فهرسة المخطوطات اليونانية واللاتينية، وغيرها من مخطوطات اللغات الفرعية، فهل نجحوا في مسعاهم؟ وهل وضعوا فهارس موحدة تفي بالمواصفات الضرورية للتعريف بالمصطلح؟

لذا، ناقش الكتاب دور المستشرقين في حفظ التراث العربي - الإسلامي من المخطوطات الأصلية والنادرة، سواء في مكتباتهم الخاصة أو في المكتبات العامة، وفهرستها فهرسةً علمية مبنية على أصول وقواعد منهجية رصينة، ساهمت في تذليل العقبات أمام سبل الوصول إلى هذه الكنوز المعرفية والاستفادة منها. أكسب هذا الدور الحركة الاستشراقية بصورة عامة معظم رصيدها من الإشادة والإيجابية.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


حيدر قاسم مطر التميمي
حيدر قاسم مطر التميمي
hedar kasem mattar eltamemy
أستاذ مساعد، حاصل على الدكتوراه في التاريخ والفكر الإسلامي والاستشراق من جامعة بغداد (2015). رئيس أبحاث في قسم الدراسات التاريخية في مؤسسة بيت الحكمة العلمية. فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة المؤلِّف الشاب (2020). من أبرز مؤلفاته: العلويون في المشرق الإسلامي وأثرهم الفكري والحضاري حتَّى القرن الخامس الهجري (2010)؛ بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الإسلامي (2011)؛ علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان: يوسف فان أس أنموذجًا (2018). ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة ❝ الناشرين : ❞ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ❝ ❱.



كتب اخرى في الاستشراق والمستشرقون

بحوث وقراءات نقدية في كتاب تاريخ القرآن تيدور نولدكه / ج2 PDF

قراءة و تحميل كتاب بحوث وقراءات نقدية في كتاب تاريخ القرآن تيدور نولدكه / ج2 PDF مجانا

دراسات محمدية PDF

قراءة و تحميل كتاب دراسات محمدية PDF مجانا

الأثر الغنوصي في الحديث النبوي وأبحاث أخرى PDF

قراءة و تحميل كتاب الأثر الغنوصي في الحديث النبوي وأبحاث أخرى PDF مجانا

المستشرقون والرسول صلى الله عليه وسلم PDF

قراءة و تحميل كتاب المستشرقون والرسول صلى الله عليه وسلم PDF مجانا

الأدب الصهيوني والاستشراق PDF

قراءة و تحميل كتاب الأدب الصهيوني والاستشراق PDF مجانا

دراسات في الفكر الإسلامي والاستشراق PDF

قراءة و تحميل كتاب دراسات في الفكر الإسلامي والاستشراق PDF مجانا

الإسلام شريكا PDF

قراءة و تحميل كتاب الإسلام شريكا PDF مجانا

أسرار مصر الخفية PDF

قراءة و تحميل كتاب أسرار مصر الخفية PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..