كتاب زاد الحجَّاج والمُعتمرين من فقه وآداب ذينِك النسكينكتب إسلامية

كتاب زاد الحجَّاج والمُعتمرين من فقه وآداب ذينِك النسكين

الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو خاصة هذا الدين الحنيف، وسِرّ التوحيد. فرضه الله على أهل الإسلام بقوله سبحانه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}، فسمى تعالى تاركه كافرا، فدل على كفر من تركه مع الاستطاعة، وحيث دل على كفره فقد دل على آكدية ركنيته. وقد جاءت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح بأنه أحد أركان الإسلام، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام)، وفي حديث جبريل في رواية عمر رضي الله عنه عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)، وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا..)، وأحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما في هذا المعنى، وبفرضه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة. وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه، إجماعا ضروريا، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفا عن سلف. وفي مسند أحمد وغيره بسند حسن عن عياش بن أبي ربيعة مرفوعا: (لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة - يعني الكعبة - حق تعظيمها، فإذا تركوها وضيعوها هلكوا)، قال بعض أهل العلم: الحج على الأمة فرض كفاية كل عام على من لم يجب عليه عينا. فيجب الحج على كل: مسلم، حر، مكلف، قادر، في عمره مرة واحدة. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، والقدرة : هي استطاعة السبيل التي جعلها الشارع مناط الوجوب، روى الدارقطني بإسناده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا}، قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة)، وعن ابن عباس عند ابن ماجه والدار قطني بنحوه، وعن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا للاحتجاج بها، ومنها عن ابن عمر رضي الله عنهما: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد والراحلة). قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سرد الآثار فيه: هذه الأحاديث مسندة من طرق حِسان مرسلة وموقوفة، تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة. قلت: المراد بالزاد: ما يحتاج إليه الحاج في سفره إلى الحج ذهابا وإيابا من مأكول، ومشروب، وكسوة ونحو ذلك، ومؤونة أهله حال غيابه حتى يرجع، والمراد بالراحلة: المركوب الذي يمتطيه في سفره إلى الحج ورجوعه منه بحسب حاله وزمانه. وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة فقط وهو ما تقصرفيه الصلاة لا فيما دونها. والمعتبر شرعا في الزاد والراحلة في حق كل أحد، ما يليق بحاله عرفا وعادة لاختلاف أحوال الناس. ويشترط للوجوب سعة الوقت عند بعض أهل العلم، لتعذر الحج مع ضيقه. واعتبر أهل العلم من الاستطاعة أمن الطريق بلا خفارة، فإن احتاج إلى خفارة لم يجب، وهو الذي عليه الجمهور. قلت: وقد أوضح الله تبارك وتعالى في سياق ذكر فرض الحج على الناس وإيجابه عليهم بشرطه، محاسن البيت وعظم شأنه بما يدعو النفوس الخيرة إلى قصده وحجه، فقال سبحانه: {إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا..} الآية. وفي موضع آخر أخبر سبحانه أنه إنما شرع حج البيت {ليشهدوا منافع لهم..} الآية، وكل ذلك مما يدل على الاعتناء به والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن إلا إضافته إليه سبحانه بقوله: {وطهر بيتي للطائفين} لكفى بذلك شرفا وفضلا. فهذه النصوص وأمثالها هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه حبا له وشوقا إلى رؤيته فلا يرجع قاصده منه إلا وتجدد حنينه إليه وجد في طلب السبيل إليه. أما من كفر بنعمة الله في شرعه وأعرض عنه وجفاه فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فله سبحانه الغنى الكامل التام عن كل أحد من خلقه من كل وجه وبكل اعتبار فإنه سبحانه هو الغني الحميد. الفورية في أداء الحج من اكتملت له شروط وجوب الحج، وجب عليه أداؤه فورا عند أكثر أهل العلم، والفورية: هي الشروع في الامتثال عقب الأمر من غير فصل، فلا يجوز تأخيره إلا لعذر، ويدل على ذلك ظاهر قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا) رواه مسلم، فإن الأمر يقتضي الفورية في تحقيق المأمور به، والتأخير بلا عذر عرضة للتأثيم. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)، وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين". وروي عن علي رضي الله عنه قال: "من قدرعلى الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا"، وعن عبد الرحمن بن باسط يرفعه: (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال يهوديا أو نصرانيا) وله طرق توجب أن له أصلا. ومما يدل على أن وجوب الحج على الفور حديث الحجاج بن عمر الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كسر أو عرج - يعني أحصرفي حجة الإسلام بمرض أو نحوه - فقد حل، وعليه الحج من قابل) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، قال فيه النووي: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة، فالحديث دليل على أن الوجوب على الفور. «فهذه رسالة جمعتُ فيها مهمات من أحكام المناسك وآدابًا وتنبيهات للناسك جمعتُها لنفسي من مصنَّفات أهل العلم قبلي وأحببتُ أن ينتفع بها غيري وقد حرصتُ أن تكون مقترنة بالدليل وأسأل الله تعالى أن تكون نافعة وهادية إلى سواء السبيل».
عبد الله بن صالح القصير - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الاستذكار لشأن وآثار الاستغفار ❝ ❞ ВЕРНОЕ СЛОВО О ДОСТОИНСТВАХ И ПРАВАХ СПОДВИЖНИКОВ да будет доволен ими Аллах ❝ ❞ المأثورات من الأذكار والدعوات في الصلوات ❝ ❞ تبصرة الهداة بشأن الدعوة والدعاة ❝ ❞ زاد الحجَّاج والمُعتمرين من فقه وآداب ذينِك النسكين ❝ ❞ التعليقات على كشف الشبهات ❝ ❞ بيان أركان الإيمان ❝ ❞ الإصابة في فضائل وحقوق الصحابة ❝ ❞ المفيد على التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ مكتبة الملك فهد الوطنية ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ شبكة الألوكة ❝ ❞ دار الوطن للطباعة والنشر والعلاقات العامة ❝ ❞ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار بلنسية ❝ ❞ دار الوطن ❝ ❞ دار إيلاف الدولية للنشر و التوزيع ❝ ❞ دار الحلية ❝ ❱
من الحج والعمرة الفقه الإسلامي - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو خاصة هذا الدين الحنيف، وسِرّ التوحيد. فرضه الله على أهل الإسلام بقوله سبحانه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}، فسمى تعالى تاركه كافرا، فدل على كفر من تركه مع الاستطاعة، وحيث دل على كفره فقد دل على آكدية ركنيته. وقد جاءت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح بأنه أحد أركان الإسلام، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام)، وفي حديث جبريل في رواية عمر رضي الله عنه عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)، وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا..)، وأحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما في هذا المعنى، وبفرضه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة.

وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه، إجماعا ضروريا، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفا عن سلف.
وفي مسند أحمد وغيره بسند حسن عن عياش بن أبي ربيعة مرفوعا: (لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة - يعني الكعبة - حق تعظيمها، فإذا تركوها وضيعوها هلكوا)، قال بعض أهل العلم: الحج على الأمة فرض كفاية كل عام على من لم يجب عليه عينا. فيجب الحج على كل: مسلم، حر، مكلف، قادر، في عمره مرة واحدة. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، والقدرة : هي استطاعة السبيل التي جعلها الشارع مناط الوجوب، روى الدارقطني بإسناده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا}، قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة)، وعن ابن عباس عند ابن ماجه والدار قطني بنحوه، وعن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا للاحتجاج بها، ومنها عن ابن عمر رضي الله عنهما: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد والراحلة). قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سرد الآثار فيه: هذه الأحاديث مسندة من طرق حِسان مرسلة وموقوفة، تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة.
قلت: المراد بالزاد: ما يحتاج إليه الحاج في سفره إلى الحج ذهابا وإيابا من مأكول، ومشروب، وكسوة ونحو ذلك، ومؤونة أهله حال غيابه حتى يرجع، والمراد بالراحلة: المركوب الذي يمتطيه في سفره إلى الحج ورجوعه منه بحسب حاله وزمانه.
وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة فقط وهو ما تقصرفيه الصلاة لا فيما دونها. والمعتبر شرعا في الزاد والراحلة في حق كل أحد، ما يليق بحاله عرفا وعادة لاختلاف أحوال الناس.

ويشترط للوجوب سعة الوقت عند بعض أهل العلم، لتعذر الحج مع ضيقه. واعتبر أهل العلم من الاستطاعة أمن الطريق بلا خفارة، فإن احتاج إلى خفارة لم يجب، وهو الذي عليه الجمهور.

قلت: وقد أوضح الله تبارك وتعالى في سياق ذكر فرض الحج على الناس وإيجابه عليهم بشرطه، محاسن البيت وعظم شأنه بما يدعو النفوس الخيرة إلى قصده وحجه، فقال سبحانه: {إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا..} الآية. وفي موضع آخر أخبر سبحانه أنه إنما شرع حج البيت {ليشهدوا منافع لهم..} الآية، وكل ذلك مما يدل على الاعتناء به والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن إلا إضافته إليه سبحانه بقوله: {وطهر بيتي للطائفين} لكفى بذلك شرفا وفضلا.

فهذه النصوص وأمثالها هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه حبا له وشوقا إلى رؤيته فلا يرجع قاصده منه إلا وتجدد حنينه إليه وجد في طلب السبيل إليه.
أما من كفر بنعمة الله في شرعه وأعرض عنه وجفاه فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فله سبحانه الغنى الكامل التام عن كل أحد من خلقه من كل وجه وبكل اعتبار فإنه سبحانه هو الغني الحميد.


الفورية في أداء الحج
من اكتملت له شروط وجوب الحج، وجب عليه أداؤه فورا عند أكثر أهل العلم، والفورية: هي الشروع في الامتثال عقب الأمر من غير فصل، فلا يجوز تأخيره إلا لعذر، ويدل على ذلك ظاهر قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا) رواه مسلم، فإن الأمر يقتضي الفورية في تحقيق المأمور به، والتأخير بلا عذر عرضة للتأثيم.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)، وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

وروي عن علي رضي الله عنه قال: "من قدرعلى الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا"، وعن عبد الرحمن بن باسط يرفعه: (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال يهوديا أو نصرانيا) وله طرق توجب أن له أصلا.

ومما يدل على أن وجوب الحج على الفور حديث الحجاج بن عمر الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كسر أو عرج - يعني أحصرفي حجة الإسلام بمرض أو نحوه - فقد حل، وعليه الحج من قابل) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، قال فيه النووي: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة، فالحديث دليل على أن الوجوب على الفور.

«فهذه رسالة جمعتُ فيها مهمات من أحكام المناسك وآدابًا وتنبيهات للناسك جمعتُها لنفسي من مصنَّفات أهل العلم قبلي وأحببتُ أن ينتفع بها غيري وقد حرصتُ أن تكون مقترنة بالدليل وأسأل الله تعالى أن تكون نافعة وهادية إلى سواء السبيل».

للكاتب/المؤلف : عبد الله بن صالح القصير .
دار النشر : دار الوطن .
سنة النشر : 1996م / 1417هـ .
عدد مرات التحميل : 7661 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأحد , 24 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 2.9 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو خاصة هذا الدين الحنيف، وسِرّ التوحيد. فرضه الله على أهل الإسلام بقوله سبحانه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}، فسمى تعالى تاركه كافرا، فدل على كفر من تركه مع الاستطاعة، وحيث دل على كفره فقد دل على آكدية ركنيته. وقد جاءت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتصريح بأنه أحد أركان الإسلام، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام)، وفي حديث جبريل في رواية عمر رضي الله عنه عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)، وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج فحجوا..)، وأحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما في هذا المعنى، وبفرضه كمل بناء الدين وتم بناؤه على أركانه الخمسة.

وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه، إجماعا ضروريا، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة خلفا عن سلف.
وفي مسند أحمد وغيره بسند حسن عن عياش بن أبي ربيعة مرفوعا: (لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة - يعني الكعبة - حق تعظيمها، فإذا تركوها وضيعوها هلكوا)، قال بعض أهل العلم: الحج على الأمة فرض كفاية كل عام على من لم يجب عليه عينا. فيجب الحج على كل: مسلم، حر، مكلف، قادر، في عمره مرة واحدة. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، والقدرة : هي استطاعة السبيل التي جعلها الشارع مناط الوجوب، روى الدارقطني بإسناده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا}، قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة)، وعن ابن عباس عند ابن ماجه والدار قطني بنحوه، وعن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضا للاحتجاج بها، ومنها عن ابن عمر رضي الله عنهما: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد والراحلة). قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سرد الآثار فيه: هذه الأحاديث مسندة من طرق حِسان مرسلة وموقوفة، تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة.
قلت: المراد بالزاد: ما يحتاج إليه الحاج في سفره إلى الحج ذهابا وإيابا من مأكول، ومشروب، وكسوة ونحو ذلك، ومؤونة أهله حال غيابه حتى يرجع، والمراد بالراحلة: المركوب الذي يمتطيه في سفره إلى الحج ورجوعه منه بحسب حاله وزمانه.
وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة فقط وهو ما تقصرفيه الصلاة لا فيما دونها. والمعتبر شرعا في الزاد والراحلة في حق كل أحد، ما يليق بحاله عرفا وعادة لاختلاف أحوال الناس.

ويشترط للوجوب سعة الوقت عند بعض أهل العلم، لتعذر الحج مع ضيقه. واعتبر أهل العلم من الاستطاعة أمن الطريق بلا خفارة، فإن احتاج إلى خفارة لم يجب، وهو الذي عليه الجمهور.

قلت: وقد أوضح الله تبارك وتعالى في سياق ذكر فرض الحج على الناس وإيجابه عليهم بشرطه، محاسن البيت وعظم شأنه بما يدعو النفوس الخيرة إلى قصده وحجه، فقال سبحانه: {إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا..} الآية. وفي موضع آخر أخبر سبحانه أنه إنما شرع حج البيت {ليشهدوا منافع لهم..} الآية، وكل ذلك مما يدل على الاعتناء به والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن إلا إضافته إليه سبحانه بقوله: {وطهر بيتي للطائفين} لكفى بذلك شرفا وفضلا.

فهذه النصوص وأمثالها هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه حبا له وشوقا إلى رؤيته فلا يرجع قاصده منه إلا وتجدد حنينه إليه وجد في طلب السبيل إليه.
أما من كفر بنعمة الله في شرعه وأعرض عنه وجفاه فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فله سبحانه الغنى الكامل التام عن كل أحد من خلقه من كل وجه وبكل اعتبار فإنه سبحانه هو الغني الحميد.


الفورية في أداء الحج
من اكتملت له شروط وجوب الحج، وجب عليه أداؤه فورا عند أكثر أهل العلم، والفورية: هي الشروع في الامتثال عقب الأمر من غير فصل، فلا يجوز تأخيره إلا لعذر، ويدل على ذلك ظاهر قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا) رواه مسلم، فإن الأمر يقتضي الفورية في تحقيق المأمور به، والتأخير بلا عذر عرضة للتأثيم.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)، وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

وروي عن علي رضي الله عنه قال: "من قدرعلى الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا"، وعن عبد الرحمن بن باسط يرفعه: (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال يهوديا أو نصرانيا) وله طرق توجب أن له أصلا.

ومما يدل على أن وجوب الحج على الفور حديث الحجاج بن عمر الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كسر أو عرج - يعني أحصرفي حجة الإسلام بمرض أو نحوه - فقد حل، وعليه الحج من قابل) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، قال فيه النووي: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة، فالحديث دليل على أن الوجوب على الفور.

 «فهذه رسالة جمعتُ فيها مهمات من أحكام المناسك وآدابًا وتنبيهات للناسك جمعتُها لنفسي من مصنَّفات أهل العلم قبلي وأحببتُ أن ينتفع بها غيري وقد حرصتُ أن تكون مقترنة بالدليل وأسأل الله تعالى أن تكون نافعة وهادية إلى سواء السبيل». 
 

تعريف الحج

تاريخ الحج

تعريف الحج واركانه

اركان الحج بالترتيب

الحج والعمرة

التسجيل في الحج

صفة الحج

شروط الحج



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل زاد الحجَّاج والمُعتمرين من فقه وآداب ذينِك النسكين
عبد الله بن صالح القصير
عبد الله بن صالح القصير
Abdullah bin Saleh Al Qusair
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الاستذكار لشأن وآثار الاستغفار ❝ ❞ ВЕРНОЕ СЛОВО О ДОСТОИНСТВАХ И ПРАВАХ СПОДВИЖНИКОВ да будет доволен ими Аллах ❝ ❞ المأثورات من الأذكار والدعوات في الصلوات ❝ ❞ تبصرة الهداة بشأن الدعوة والدعاة ❝ ❞ زاد الحجَّاج والمُعتمرين من فقه وآداب ذينِك النسكين ❝ ❞ التعليقات على كشف الشبهات ❝ ❞ بيان أركان الإيمان ❝ ❞ الإصابة في فضائل وحقوق الصحابة ❝ ❞ المفيد على التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ مكتبة الملك فهد الوطنية ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ شبكة الألوكة ❝ ❞ دار الوطن للطباعة والنشر والعلاقات العامة ❝ ❞ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار بلنسية ❝ ❞ دار الوطن ❝ ❞ دار إيلاف الدولية للنشر و التوزيع ❝ ❞ دار الحلية ❝ ❱.



كتب اخرى في الحج والعمرة

النبي صلى الله عليه وسلم في الحج PDF

قراءة و تحميل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في الحج PDF مجانا

أحكام المناسك .. PDF

قراءة و تحميل كتاب أحكام المناسك .. PDF مجانا

الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس لمن وقف نهارا PDF

قراءة و تحميل كتاب الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس لمن وقف نهارا PDF مجانا

شرح كتاب الحج من كتاب الروض المربع PDF

قراءة و تحميل كتاب شرح كتاب الحج من كتاب الروض المربع PDF مجانا

حكم الإحرام من جده PDF

قراءة و تحميل كتاب حكم الإحرام من جده PDF مجانا

تذكير وتنبيهات لمسائل في الحج والعمرة والزيارات PDF

قراءة و تحميل كتاب تذكير وتنبيهات لمسائل في الحج والعمرة والزيارات PDF مجانا

سباق الدعاة لمواكب الحجيج PDF

قراءة و تحميل كتاب سباق الدعاة لمواكب الحجيج PDF مجانا

الحج بلغة الإشارة (عيد الأضحى) PDF

قراءة و تحميل كتاب الحج بلغة الإشارة (عيد الأضحى) PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..