كتاب اختلاف المفسرين .. أسبابه وضوابطهكتب إسلامية

كتاب اختلاف المفسرين .. أسبابه وضوابطه

الاختلاف لغة ضد الاتفاق والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله . ولقد ذكر بعض العلماء فروقا بين الاختلاف والخلاف ؛ منها أن الخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين . والاختلاف يستند إلي دليل ، أما الخلاف فإنه لا يستند إلي دليل . وفي الاختلاف يكون الطريق مختلفا والمقصود واحدا ، أما الخلاف فكلاهما مختلف . وقال بعضهم : الاختلاف يستعمل في قول بُني علي دليل ، والخلاف فيما لا دليل عليه والذي أراه أن الاختلاف قد يراد به اختلاف التنوع وقد يراد به اختلاف التضاد وكذلك الخلاف قد يرد لأحد المعنيين . من ذلك قول الشاعر وليس كل خلاف جاء معتبرا *** إلا خلافا له حظ من النظر أنواعه الاختلاف في التفسير: نوعان : اختلاف تنوع وهو الاختلاف المحمود ، واختلاف تضاد وهو المذموم وفيما يلي بيان ذلك : أولا : الاختلاف المذموم وقد جاء تعريفه في الإتقان بأنه ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر . فهو اختلاف التضاد لأنه فيما لا مجال فيه للاختلاف وذلك كاختلاف الفرق الضالة المنحرفة عن أهل السنة والجماعة حيث فسروا القرآن بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة ، مخالفين بذلك ما ورد في تفاسير أهل السنة والجماعة ، وهنا لا بد من الترجيح بين الآراء لبيان الحق . •من ذلك ما هو شائع في تفاسير الفرق الضالة كالمعتزلة والرافضة وغيرهم . •ومنه أن يعتقد المفسر رأيا مخالفا لرأي أهل السنة والجماعة ، فيفسر القرآن الكريم وفقا لهذا الرأي ويصرف اللفظ عن مراده : من ذلك تفسير بعض المعتزلة لقوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( حيث يري المعتزلة استحالة الرؤية في الآخرة ، وبناء علي رأيهم الباطل فإنهم يؤولون الآيات بتعسف وتكلف ، وينكرون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تخالف أهواءهم ؛ ففسر بعضهم ( إلى ) بمعنى ( نِـعَـم ) جمع نعمة ، حتى يصرفون اللفظ عن معناه الظاهر الذي يفيد تنعم المؤمنين برؤية رب العالمين في الآخرة . ، ، فأول بعضهم المعنى تأويلا غريبا فقالوا { إلى ربها ناظرة }أي مترقبة ومنتظرة ، كما تقول أنا إلي فلان ناظر ما يصنع بي . •أيضا من أسبابه اعتماد بعض المفسرين علي الموضوعات والإسرائيليات التي تخالف العقل والنقل واعتبارها أصلا في التفسير مما يتناقض مع الصحيح الوارد في تفسير الآيات . •ومنه أيضا اعتماد بعضهم علي مجرد معرفته باللغة والمسارعة إلي تفسير القرآن بظاهر العربية دون الرجوع إلي أصول التفسير وأدواته مما يؤدي إلي كثرة الغلط . • وذلك كمن فسر قوله تعالى ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ( بأن المراد به أن الناقة كانت مبصرة والصحيح في تفسير الآية : " وآتينا ثمود الناقة " آية مبصرة أي حجة باهرة ومعجزة ظاهرة بدليل السياق قال تعالى ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا )(1) •ومنها ترك بعضهم للمعنى الظاهر وتعويلهم علي معانٍ لا أصل لها وليس لها أدنى صلة بالآيات كما فعل ابن عربي في تفسيره لقوله تعالى ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا )(2)قال "واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك ولا تنسها فينسك الله " وفي هذا القول من الضلال والزيغ ما لا يخفي • وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به فيحمل النص ما لا يحتمل ويتعسف ويتكلف في ذلك . مثاله : من يرمز إلى القلب القاسي بفرعون ، فيقول قال الله تعالى في سورة النازعات( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)(3) ويشير إلي قلبه ويوميء إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الحسنة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وإثارة له وهو ممنوع لمخالفته لظواهر النصوص ومقاصدها . •ومن ذلك أيضا ما ورد في تفسير سهل التستري في تفسير قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ )(4)حيث نفى المعنى الأصيل الذي يدل عليه ظاهر النص وأثبت معنى آخر ليس في النص أي دلالة عليه فقال : " لم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة ، وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لغيره " . • ومن أسباب الخلاف أيضا أن يكون اللفظ دالا على أكثر من معنى في الحقيقة فهو مشترك لفظي ، فيصرفه المفسر عن المعنى الذي يدل عليه السياق إلى معنى آخر لا يتناسب مع السياق : وذلك كتفسير الكتاب في قوله تعالى ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(5)علي أنه القرآن الكريم علما بأن السياق في اللوح المحفوظ ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) و بدليل قوله تعالى في نفس السورة (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(6) •ومن أسباب الخلاف أيضا : الخطأ في معرفة اشتقاق الكلمة : وذلك كتفسير بعضهم لقوله تعالى ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )(7)قالوا ينادي علي كل إنسان باسم أمه . والصواب أنه الإمام وليس الأم . قال الزمخشري في تفسيره : "بإمامهم بمن ائتموا به من نبي أومقدم في الدين أو كتاب أو دين ... ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم مراعاة لحق عيسى عليه السلام وليت شعري أيهما أبدع ؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته ‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍؟ " . •أيضا من أسباب الخلاف : ترك المعنى الظاهر إلى معنى آخر لا علاقة له بالآية من قريب أو من بعيد ، وليس له أصل صحيح في لغة العرب : من ذلك تفسير الضحك بالحيض فقد ذهب بعض العلماء إلى أن معنى ( فضحكت ) أي: ( فحاضت ) 0 •قال تعالى في سورة هود ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ )(8) قال القرطبي: [ قال مجاهد وعكرمة: حاضت وكانت آيسة ، تحقيقا للبشارة وأنشد علي ذلك اللغويون : * وإني لآتي العرس عند طهورها *** وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا وضحك الأرانب فوق الصفا *** كمثل دم الجوف اللقـــــا والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت ، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت ، وقال الجمهور: الضحك المعروف ، وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم وأنكر الفراء ذلك وقال لم أسمعه من ثقة ، وإنما هو كناية *وقال الإمام أحمد بن المنير وهو يرد علي من زعم أن ضحكها بمعنى حيضها : ويبعد هذا التأويل أنها قالت بعد ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ )(9)فلو كان حيضها قبل بشارتها لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض والحيض في العادة علامة على إمكان الحمل والرأي المختار في تفسير ( فضحكت ) هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين : أن الضحك هنا علي حقيقته ، وسببه الفرح والتعجب ، فرحت حين سمعت الملائكة الكرام يخبرون إبراهيم ( بأمر نجاة لوط ) ومن آمن معه وهلاك المكذبين به المعرضين عن دعوته وتعجبت من حال الهالكين ، كيف يتمادون في الضلال ويصرون علي الانحلال مع قرب هلاكهم ؛ فالأولي بهم أن يتوبوا إلي الله قبل فوات الأوان 0 . ثانيا : الاختلاف المحمود أما الاختلاف المحمود : فهو اختلاف التنوع أو التلازم وهو كما عرفه السيوطي في الإتقان : هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى وفيه إثراء له . وله أسباب عديدة : نذكرها ونورد أمثلة عليها ونبين الضوابط والقواعد التي نتعامل بها . •أسبابه : 1- اختلاف التعبير : كأن يعبر كل مفسر عن المعنى الواحد بعبارات شتى تدور كلها حول هذا المعنى ، أو تكتمل بها صورته ويستقر المعنى في الأذهان ، أو أن يفسر بعضهم اللفظ بمعان متنوعة لكنها تدور في محور واحد:وبعض المفسرين قد يفسر المعنى بمثال عليه أو بلازمه . •مثال ذلك تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الأنعاموَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )(10) فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أن تبسل} قال: تفضح. وفي قوله {أبسلوا} قال: فضحوا.وعنه في قوله {أن تبسل} قال: تسلم. وفي قوله {أبسلوا بما كسبوا} قال: أسلموا بجرائرهم. وسأله نافع بن الأزرق : فقال له: أخبرني عن قوله عز وجل ( أن تبسل نفس ) ؟ قال: يعني أن تحبس نفسه بما كسبت في النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيرا وهو يقول: وفارقتك برهان لا فكاك له يوم الوداع وقلبي مبسل علقا . وعن قتادة في قوله {أن تبسل نفس} قال: تؤخذ فتحبس . فكل هذه المعاني الرهن والحبس والفضيحة متلازمة لا تناقض بينها . •ومن الأمثلة أيضا :اختلافهم في معنى قوله تعالى في سورة الروم ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) فعن الضحاك رضي الله عنه قال {في روضة يحبرون}: في جنة يكرمون. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {يحبرون} : يكرمون .وعن مجاهد رضي الله عنه قال: ينعمون.وعن يحيي بن أبي كثير قال: {في روضة يحبرون} أي لذة السماع في الجنة. وعن الأوزاعي قال {في روضة يحبرون} هو السماع . وكل هذه المعاني بيان لما هم فيه من السعادة والحبور والتنعم فكلها تدور حول معنى واحد وكلها متنوعة لا تناقض بينها حيث يسهل الجمع بينها . •ومثال ذلك أيضا : ما نقله السيوطي في الدر المنثور " عن مجاهد في قوله {وبشر المخبتين} قال: المطمئنين ، وعن عمرو بن أوس {وبشر المخبتين} قال: المخبتون، الذين لا يظلمون الناس، واذا ظلموا لم ينتصروا. وعن الضحاك رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: المتواضعين.وعن السدي رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: الوجلين. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان إذا رأي الربيع بن خثيم قال: {وبشر المخبتين} وقال له: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.‏ وكل هذه الصفات والأحوال مجتمعة في المخبتين •ومثال ذلك أيضا : تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم: " وفي المراد بالصراط هاهنا أربعة أقوال أحدها : أنه كتاب الله روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا . والثاني أنه دين الإسلام قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن و أبو العالية . والثالث أنه الطريق الهادي إلي دين الله رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد . والرابع أنه طريق الجنة نقل عن ابن عباس أيضا ."
أحمد محمد الشرقاوي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ اختلاف المفسرين .. أسبابه وضوابطه ❝ ❞ نحو منهج أمثل لتفسير القرآن ❝ ❞ نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال الأساس في التفسير ❝ ❞ البيان القرآني للسيرة النبوية ❝ ❞ الحوار القرآني في ضوء سورة الأنعام "دراسة موضوعية " ❝ ❞ تأملات في قصة أصحاب الكهف ❝ ❞ مباهج الزواج في ضوء البيان القرآني ❝ ❞ التوثيق القرآني لغزوة الخندق ❝ ❞ الصحافة والإبداع ❝ الناشرين : ❞ مركز الشارقة للإبداع الفكري ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب :
الاختلاف لغة ضد الاتفاق والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله .
ولقد ذكر بعض العلماء فروقا بين الاختلاف والخلاف ؛ منها أن الخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين .
والاختلاف يستند إلي دليل ، أما الخلاف فإنه لا يستند إلي دليل .
وفي الاختلاف يكون الطريق مختلفا والمقصود واحدا ، أما الخلاف فكلاهما مختلف .
وقال بعضهم : الاختلاف يستعمل في قول بُني علي دليل ، والخلاف فيما لا دليل عليه
والذي أراه أن الاختلاف قد يراد به اختلاف التنوع وقد يراد به اختلاف التضاد وكذلك الخلاف قد يرد لأحد المعنيين .
من ذلك قول الشاعر

وليس كل خلاف جاء معتبرا *** إلا خلافا له حظ من النظر
أنواعه

الاختلاف في التفسير: نوعان : اختلاف تنوع وهو الاختلاف المحمود ، واختلاف تضاد وهو المذموم
وفيما يلي بيان ذلك :

أولا : الاختلاف المذموم

وقد جاء تعريفه في الإتقان بأنه ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر .

فهو اختلاف التضاد لأنه فيما لا مجال فيه للاختلاف وذلك كاختلاف الفرق الضالة المنحرفة عن أهل السنة والجماعة حيث فسروا القرآن بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة ، مخالفين بذلك ما ورد في تفاسير أهل السنة والجماعة ، وهنا لا بد من الترجيح بين الآراء لبيان الحق .

•من ذلك ما هو شائع في تفاسير الفرق الضالة كالمعتزلة والرافضة وغيرهم .

•ومنه أن يعتقد المفسر رأيا مخالفا لرأي أهل السنة والجماعة ، فيفسر القرآن الكريم وفقا لهذا الرأي ويصرف اللفظ عن مراده : من ذلك تفسير بعض المعتزلة لقوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( حيث يري المعتزلة استحالة الرؤية في الآخرة ، وبناء علي رأيهم الباطل فإنهم يؤولون الآيات بتعسف وتكلف ، وينكرون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تخالف أهواءهم ؛ ففسر بعضهم ( إلى ) بمعنى ( نِـعَـم ) جمع نعمة ، حتى يصرفون اللفظ عن معناه الظاهر الذي يفيد تنعم المؤمنين برؤية رب العالمين في الآخرة . ، ، فأول بعضهم المعنى تأويلا غريبا فقالوا { إلى ربها ناظرة }أي مترقبة ومنتظرة ، كما تقول أنا إلي فلان ناظر ما يصنع بي .

•أيضا من أسبابه اعتماد بعض المفسرين علي الموضوعات والإسرائيليات التي تخالف العقل والنقل واعتبارها أصلا في التفسير مما يتناقض مع الصحيح الوارد في تفسير الآيات .

•ومنه أيضا اعتماد بعضهم علي مجرد معرفته باللغة والمسارعة إلي تفسير القرآن بظاهر العربية دون الرجوع إلي أصول التفسير وأدواته مما يؤدي إلي كثرة الغلط .

• وذلك كمن فسر قوله تعالى ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ( بأن المراد به أن الناقة كانت مبصرة والصحيح في تفسير الآية : " وآتينا ثمود الناقة " آية مبصرة أي حجة باهرة ومعجزة ظاهرة بدليل السياق قال تعالى ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا )(1)

•ومنها ترك بعضهم للمعنى الظاهر وتعويلهم علي معانٍ لا أصل لها وليس لها أدنى صلة بالآيات كما فعل ابن عربي في تفسيره لقوله تعالى ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا )(2)قال "واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك ولا تنسها فينسك الله " وفي هذا القول من الضلال والزيغ ما لا يخفي

• وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به فيحمل النص ما لا يحتمل ويتعسف ويتكلف في ذلك .
مثاله : من يرمز إلى القلب القاسي بفرعون ، فيقول قال الله تعالى في سورة النازعات( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)(3) ويشير إلي قلبه ويوميء إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الحسنة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وإثارة له وهو ممنوع لمخالفته لظواهر النصوص ومقاصدها .

•ومن ذلك أيضا ما ورد في تفسير سهل التستري في تفسير قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ )(4)حيث نفى المعنى الأصيل الذي يدل عليه ظاهر النص وأثبت معنى آخر ليس في النص أي دلالة عليه فقال : " لم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة ، وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لغيره " .

• ومن أسباب الخلاف أيضا أن يكون اللفظ دالا على أكثر من معنى في الحقيقة فهو مشترك لفظي ، فيصرفه المفسر عن المعنى الذي يدل عليه السياق إلى معنى آخر لا يتناسب مع السياق : وذلك كتفسير الكتاب في قوله تعالى ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(5)علي أنه القرآن الكريم علما بأن السياق في اللوح المحفوظ ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )
و بدليل قوله تعالى في نفس السورة (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(6)

•ومن أسباب الخلاف أيضا : الخطأ في معرفة اشتقاق الكلمة : وذلك كتفسير بعضهم لقوله تعالى ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )(7)قالوا ينادي علي كل إنسان باسم أمه . والصواب أنه الإمام وليس الأم .
قال الزمخشري في تفسيره : "بإمامهم بمن ائتموا به من نبي أومقدم في الدين أو كتاب أو دين ... ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم مراعاة لحق عيسى عليه السلام وليت شعري أيهما أبدع ؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته ‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍؟ " .

•أيضا من أسباب الخلاف : ترك المعنى الظاهر إلى معنى آخر لا علاقة له بالآية من قريب أو من بعيد ، وليس له أصل صحيح في لغة العرب : من ذلك تفسير الضحك بالحيض فقد ذهب بعض العلماء إلى أن معنى ( فضحكت ) أي: ( فحاضت ) 0

•قال تعالى في سورة هود ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ )(8) قال القرطبي: [ قال مجاهد وعكرمة: حاضت وكانت آيسة ، تحقيقا للبشارة وأنشد علي ذلك اللغويون :

* وإني لآتي العرس عند طهورها *** وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وضحك الأرانب فوق الصفا *** كمثل دم الجوف اللقـــــا

والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت ، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت ، وقال الجمهور: الضحك المعروف ، وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم وأنكر الفراء ذلك وقال لم أسمعه من ثقة ، وإنما هو كناية

*وقال الإمام أحمد بن المنير وهو يرد علي من زعم أن ضحكها بمعنى حيضها : ويبعد هذا التأويل أنها قالت بعد ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ )(9)فلو كان حيضها قبل بشارتها لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض والحيض في العادة علامة على إمكان الحمل
والرأي المختار في تفسير ( فضحكت ) هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين : أن الضحك هنا علي حقيقته ، وسببه الفرح والتعجب ، فرحت حين سمعت الملائكة الكرام يخبرون إبراهيم ( بأمر نجاة لوط ) ومن آمن معه وهلاك المكذبين به المعرضين عن دعوته وتعجبت من حال الهالكين ، كيف يتمادون في الضلال ويصرون علي الانحلال مع قرب هلاكهم ؛ فالأولي بهم أن يتوبوا إلي الله قبل فوات الأوان 0 .
ثانيا : الاختلاف المحمود

أما الاختلاف المحمود : فهو اختلاف التنوع أو التلازم وهو كما عرفه السيوطي في الإتقان : هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى وفيه إثراء له .

وله أسباب عديدة : نذكرها ونورد أمثلة عليها ونبين الضوابط والقواعد التي نتعامل بها .

•أسبابه :

1- اختلاف التعبير :

كأن يعبر كل مفسر عن المعنى الواحد بعبارات شتى تدور كلها حول هذا المعنى ، أو تكتمل بها صورته ويستقر المعنى في الأذهان ، أو أن يفسر بعضهم اللفظ بمعان متنوعة لكنها تدور في محور واحد:وبعض المفسرين قد يفسر المعنى بمثال عليه أو بلازمه .

•مثال ذلك تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الأنعاموَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )(10) فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أن تبسل} قال: تفضح. وفي قوله {أبسلوا} قال: فضحوا.وعنه في قوله {أن تبسل} قال: تسلم. وفي قوله {أبسلوا بما كسبوا} قال: أسلموا بجرائرهم.
وسأله نافع بن الأزرق : فقال له: أخبرني عن قوله عز وجل ( أن تبسل نفس ) ؟ قال: يعني أن تحبس نفسه بما كسبت في النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيرا وهو يقول:

وفارقتك برهان لا فكاك له يوم الوداع وقلبي مبسل علقا .
وعن قتادة في قوله {أن تبسل نفس} قال: تؤخذ فتحبس .
فكل هذه المعاني الرهن والحبس والفضيحة متلازمة لا تناقض بينها .

•ومن الأمثلة أيضا :اختلافهم في معنى قوله تعالى في سورة الروم ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) فعن الضحاك رضي الله عنه قال {في روضة يحبرون}: في جنة يكرمون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {يحبرون} : يكرمون .وعن مجاهد رضي الله عنه قال: ينعمون.وعن يحيي بن أبي كثير قال: {في روضة يحبرون} أي لذة السماع في الجنة. وعن الأوزاعي قال {في روضة يحبرون} هو السماع .
وكل هذه المعاني بيان لما هم فيه من السعادة والحبور والتنعم فكلها تدور حول معنى واحد وكلها متنوعة لا تناقض بينها حيث يسهل الجمع بينها .

•ومثال ذلك أيضا : ما نقله السيوطي في الدر المنثور " عن مجاهد في قوله {وبشر المخبتين} قال: المطمئنين ، وعن عمرو بن أوس {وبشر المخبتين} قال: المخبتون، الذين لا يظلمون الناس، واذا ظلموا لم ينتصروا. وعن الضحاك رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: المتواضعين.وعن السدي رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: الوجلين. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان إذا رأي الربيع بن خثيم قال: {وبشر المخبتين} وقال له: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.‏
وكل هذه الصفات والأحوال مجتمعة في المخبتين

•ومثال ذلك أيضا : تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم: " وفي المراد بالصراط هاهنا أربعة أقوال أحدها : أنه كتاب الله روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا .

والثاني أنه دين الإسلام قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن و أبو العالية .
والثالث أنه الطريق الهادي إلي دين الله رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد .
والرابع أنه طريق الجنة نقل عن ابن عباس أيضا ."


للكاتب/المؤلف : أحمد محمد الشرقاوي .
دار النشر : .
عدد مرات التحميل : 8461 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأحد , 24 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 124 كيلوبايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:


الاختلاف لغة ضد الاتفاق والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله .
ولقد ذكر بعض العلماء فروقا بين الاختلاف والخلاف ؛ منها أن الخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين .
والاختلاف يستند إلي دليل ، أما الخلاف فإنه لا يستند إلي دليل .
وفي الاختلاف يكون الطريق مختلفا والمقصود واحدا ، أما الخلاف فكلاهما مختلف .
وقال بعضهم : الاختلاف يستعمل في قول بُني علي دليل ، والخلاف فيما لا دليل عليه
والذي أراه أن الاختلاف قد يراد به اختلاف التنوع وقد يراد به اختلاف التضاد وكذلك الخلاف قد يرد لأحد المعنيين .

من ذلك قول الشاعر

وليس كل خلاف جاء معتبرا *** إلا خلافا له حظ من النظر

أنواعه

الاختلاف في التفسير: نوعان : اختلاف تنوع وهو الاختلاف المحمود ، واختلاف تضاد وهو المذموم

وفيما يلي بيان ذلك :

أولا : الاختلاف المذموم

وقد جاء تعريفه في الإتقان بأنه ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر .
فهو اختلاف التضاد لأنه فيما لا مجال فيه للاختلاف وذلك كاختلاف الفرق الضالة المنحرفة عن أهل السنة والجماعة حيث فسروا القرآن بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة ، مخالفين بذلك ما ورد في تفاسير أهل السنة والجماعة ، وهنا لا بد من الترجيح بين الآراء لبيان الحق .
•من ذلك ما هو شائع في تفاسير الفرق الضالة كالمعتزلة والرافضة وغيرهم .
•ومنه أن يعتقد المفسر رأيا مخالفا لرأي أهل السنة والجماعة ، فيفسر القرآن الكريم وفقا لهذا الرأي ويصرف اللفظ عن مراده : من ذلك تفسير بعض المعتزلة لقوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( حيث يري المعتزلة استحالة الرؤية في الآخرة ، وبناء علي رأيهم الباطل فإنهم يؤولون الآيات بتعسف وتكلف ، وينكرون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تخالف أهواءهم ؛ ففسر بعضهم ( إلى ) بمعنى ( نِـعَـم ) جمع نعمة ، حتى يصرفون اللفظ عن معناه الظاهر الذي يفيد تنعم المؤمنين برؤية رب العالمين في الآخرة . ، ، فأول بعضهم المعنى تأويلا غريبا فقالوا { إلى ربها ناظرة }أي مترقبة ومنتظرة ، كما تقول أنا إلي فلان ناظر ما يصنع بي .
•أيضا من أسبابه اعتماد بعض المفسرين علي الموضوعات والإسرائيليات التي تخالف العقل والنقل واعتبارها أصلا في التفسير مما يتناقض مع الصحيح الوارد في تفسير الآيات .
•ومنه أيضا اعتماد بعضهم علي مجرد معرفته باللغة والمسارعة إلي تفسير القرآن بظاهر العربية دون الرجوع إلي أصول التفسير وأدواته مما يؤدي إلي كثرة الغلط .
• وذلك كمن فسر قوله تعالى ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ( بأن المراد به أن الناقة كانت مبصرة والصحيح في تفسير الآية : " وآتينا ثمود الناقة " آية مبصرة أي حجة باهرة ومعجزة ظاهرة بدليل السياق قال تعالى ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا )(1)
•ومنها ترك بعضهم للمعنى الظاهر وتعويلهم علي معانٍ لا أصل لها وليس لها أدنى صلة بالآيات كما فعل ابن عربي في تفسيره لقوله تعالى ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا )(2)قال "واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك ولا تنسها فينسك الله " وفي هذا القول من الضلال والزيغ ما لا يخفي
• وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به فيحمل النص ما لا يحتمل ويتعسف ويتكلف في ذلك .
مثاله : من يرمز إلى القلب القاسي بفرعون ، فيقول قال الله تعالى في سورة النازعات( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)(3) ويشير إلي قلبه ويوميء إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الحسنة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وإثارة له وهو ممنوع لمخالفته لظواهر النصوص ومقاصدها .
•ومن ذلك أيضا ما ورد في تفسير سهل التستري في تفسير قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ )(4)حيث نفى المعنى الأصيل الذي يدل عليه ظاهر النص وأثبت معنى آخر ليس في النص أي دلالة عليه فقال : " لم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة ، وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لغيره " .
• ومن أسباب الخلاف أيضا أن يكون اللفظ دالا على أكثر من معنى في الحقيقة فهو مشترك لفظي ، فيصرفه المفسر عن المعنى الذي يدل عليه السياق إلى معنى آخر لا يتناسب مع السياق : وذلك كتفسير الكتاب في قوله تعالى ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(5)علي أنه القرآن الكريم علما بأن السياق في اللوح المحفوظ ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )
و بدليل قوله تعالى في نفس السورة (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(6)
•ومن أسباب الخلاف أيضا : الخطأ في معرفة اشتقاق الكلمة : وذلك كتفسير بعضهم لقوله تعالى ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )(7)قالوا ينادي علي كل إنسان باسم أمه . والصواب أنه الإمام وليس الأم .
قال الزمخشري في تفسيره : "بإمامهم بمن ائتموا به من نبي أومقدم في الدين أو كتاب أو دين ... ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم مراعاة لحق عيسى عليه السلام وليت شعري أيهما أبدع ؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته ‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍؟ " .
•أيضا من أسباب الخلاف : ترك المعنى الظاهر إلى معنى آخر لا علاقة له بالآية من قريب أو من بعيد ، وليس له أصل صحيح في لغة العرب : من ذلك تفسير الضحك بالحيض فقد ذهب بعض العلماء إلى أن معنى ( فضحكت ) أي: ( فحاضت ) 0
•قال تعالى في سورة هود ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ )(8) قال القرطبي: [ قال مجاهد وعكرمة: حاضت وكانت آيسة ، تحقيقا للبشارة وأنشد علي ذلك اللغويون :
* وإني لآتي العرس عند طهورها *** وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وضحك الأرانب فوق الصفا *** كمثل دم الجوف اللقـــــا
والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت ، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت ، وقال الجمهور: الضحك المعروف ، وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم وأنكر الفراء ذلك وقال لم أسمعه من ثقة ، وإنما هو كناية
*وقال الإمام أحمد بن المنير وهو يرد علي من زعم أن ضحكها بمعنى حيضها : ويبعد هذا التأويل أنها قالت بعد ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ )(9)فلو كان حيضها قبل بشارتها لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض والحيض في العادة علامة على إمكان الحمل
والرأي المختار في تفسير ( فضحكت ) هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين : أن الضحك هنا علي حقيقته ، وسببه الفرح والتعجب ، فرحت حين سمعت الملائكة الكرام يخبرون إبراهيم ( بأمر نجاة لوط ) ومن آمن معه وهلاك المكذبين به المعرضين عن دعوته وتعجبت من حال الهالكين ، كيف يتمادون في الضلال ويصرون علي الانحلال مع قرب هلاكهم ؛ فالأولي بهم أن يتوبوا إلي الله قبل فوات الأوان 0 .

ثانيا : الاختلاف المحمود

أما الاختلاف المحمود : فهو اختلاف التنوع أو التلازم وهو كما عرفه السيوطي في الإتقان : هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى وفيه إثراء له .
وله أسباب عديدة : نذكرها ونورد أمثلة عليها ونبين الضوابط والقواعد التي نتعامل بها .

•أسبابه :

1- اختلاف التعبير :

كأن يعبر كل مفسر عن المعنى الواحد بعبارات شتى تدور كلها حول هذا المعنى ، أو تكتمل بها صورته ويستقر المعنى في الأذهان ، أو أن يفسر بعضهم اللفظ بمعان متنوعة لكنها تدور في محور واحد:وبعض المفسرين قد يفسر المعنى بمثال عليه أو بلازمه .
•مثال ذلك تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الأنعاموَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )(10) فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أن تبسل} قال: تفضح. وفي قوله {أبسلوا} قال: فضحوا.وعنه في قوله {أن تبسل} قال: تسلم. وفي قوله {أبسلوا بما كسبوا} قال: أسلموا بجرائرهم.
وسأله نافع بن الأزرق : فقال له: أخبرني عن قوله عز وجل ( أن تبسل نفس ) ؟ قال: يعني أن تحبس نفسه بما كسبت في النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيرا وهو يقول:
وفارقتك برهان لا فكاك له يوم الوداع وقلبي مبسل علقا .
وعن قتادة في قوله {أن تبسل نفس} قال: تؤخذ فتحبس .
فكل هذه المعاني الرهن والحبس والفضيحة متلازمة لا تناقض بينها .
•ومن الأمثلة أيضا :اختلافهم في معنى قوله تعالى في سورة الروم ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) فعن الضحاك رضي الله عنه قال {في روضة يحبرون}: في جنة يكرمون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {يحبرون} : يكرمون .وعن مجاهد رضي الله عنه قال: ينعمون.وعن يحيي بن أبي كثير قال: {في روضة يحبرون} أي لذة السماع في الجنة. وعن الأوزاعي قال {في روضة يحبرون} هو السماع .
وكل هذه المعاني بيان لما هم فيه من السعادة والحبور والتنعم فكلها تدور حول معنى واحد وكلها متنوعة لا تناقض بينها حيث يسهل الجمع بينها .
•ومثال ذلك أيضا : ما نقله السيوطي في الدر المنثور " عن مجاهد في قوله {وبشر المخبتين} قال: المطمئنين ، وعن عمرو بن أوس {وبشر المخبتين} قال: المخبتون، الذين لا يظلمون الناس، واذا ظلموا لم ينتصروا. وعن الضحاك رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: المتواضعين.وعن السدي رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: الوجلين. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان إذا رأي الربيع بن خثيم قال: {وبشر المخبتين} وقال له: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.‏
وكل هذه الصفات والأحوال مجتمعة في المخبتين
•ومثال ذلك أيضا : تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم: " وفي المراد بالصراط هاهنا أربعة أقوال أحدها : أنه كتاب الله روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا .
والثاني أنه دين الإسلام قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن و أبو العالية .
والثالث أنه الطريق الهادي إلي دين الله رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد .
والرابع أنه طريق الجنة نقل عن ابن عباس أيضا ."
ولا تعارض بين هذه المعاني فكلها تدور في فلك واحد ؛ فالصراط المستقيم هو طريق الإسلام والكتاب هو المنهاج له وهو طريق الهدى والفوز بالجنة .
•ومثال ذلك أيضا تفسيرهم لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ( .
قال ابن كثير :" وقال مجاهد في قوله (لما يحييكم ) قال : الحق ، وقال قتادة :( لما يحييكم ) قال هو هذا القرآن فيه النجاة والتقاة والحياة وقال السدي : " في الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر " ، وعن عروة بن الزبير ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم .
•وكل هذه المعاني محتملة فالإسلام حياة القلوب وفي القرآن حياة للنفوس ، وبالجهاد تحيا البشرية آمنة مطمئنة ، وبه حماية ودفاع وحقن لأرواح الأبرياء وصد للمعتدين ، فلا سبيل إلي حياة عزيزة أبية إلا بالإسلام والقرآن والجهاد والعلم .

2- أن يفسر بعضهم المعنى ببيان بعض ما يندرج تحته من أنواع ، أو يفسره بذكر مثال له :

•من ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى في سورة النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ( عن قتادة :{فالصالحات قاتنات} أي مطيعات لله ولأزواجهن {حافظات للغيب} قال: حافظات لما استودعهن الله من حقه، وحافظات لغيب أزواجهن. وعن مجاهد {حافظات للغيب} للأزواج ، وعن السدي {حافظات للغيب بما حفظ الله} يقول تحفظ على زوجها ماله وفرجها حتى يرجع كما أمرها الله ، وعن السدي قال: حافظات لأزواجهن في أنفسهن بما استحفظهن الله ، وعن مقاتل قال: حافظات لفروجهن لغيب أزواجهن، حافظات بحفظ الله لا يخنّ أزواجهن بالغيب ، وعن عطاء قال: حافظات للأزواج بما حفظ الله يقول: حفظهن الله، وعن مجاهد {حافظات للغيب} قال: يحفظن علي أزواجهن ما غابوا عنهن من شأنهن .
ولا شك أن الحفظ هنا ليس قاصرا علي حفظ المال وحده أو حفظ الفرج ، ولكنه يشمل حفظ الأزواج في غيابهم ، وحفظهم من باب أولى في حضورهم ، وحفظ الأسرار الزوجية ، وحفظ الأولاد بحسن التربية وغير ذلك .
•ومن ذلك أيضا اختلافهم في معنى الحرج في قوله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } : قال الشوكاني : " وقد اختلف العلماء في هذا الحرج الذي رفعه الله فقيل هو ما أحله الله من النساء مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين ، وقيل المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر والصلاة بالإيماء على من لا يقدر على غيره وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض واغتفار الخطأ في تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة وكذا في الفطر والأضحى ، وقيل المعنى أنه سبحانه ما جعل عليهم حرجا بتكليف ما يشق عليهم ولكن كلفهم بما يقدرون عليه ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج فلم يتعبدهم بها كما تعبد بها بني إسرائيل وقيل المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجا بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار والتكفير فيما شرع فيه الكفارة والأرش أو القصاص في الجنايات ورد المال أو مثله أو قيمته في الغصب ونحوه ، والظاهر أن الآية أعم من هذا كله فقد حط سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف علي عباده إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذي شرعه الله وما أنفع هذه الآية وأجل موقعها وأعظم فائدتها "
*قاعدة مهمة : إذا دارت الأقوال حول معنى واحد فإنه يجمع بينها وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "الأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه …فإنَّ نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ كما أن نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح " .

3- الاختلاف في عودة الضمير :

•وذلك أيضا من أسباب اختلاف المفسرين ومثاله : ما ورد في تفسير قوله تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (
روى الطبري في تفسيره عن السدي وعن ابن أبي نجيح: وابن إسحاق وعن مجاهد: {قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي} قال: سيدي. يعني: زوج المرأة
وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط " والضمير في ( إنه ربي) الأصح أن يعود إلي الله تعالى ، أي إن الله ربي أحسن مثواي إذ نجاني من الجب وأقامني في أحسن مقام000 "
*والذي أرجحه هو : أن الضمير عائد إلى لفظ الجلالة ، كما ذكر ذلك أبو حيان وغيره وذلك لأن مراعاة يوسف  لحقوق الله تعالى وصونه لنعمه : يتضمن مراعاة حقوق العباد ، وقوله تعالى { إنه لا يفلح الظالمون } : الذين يسلبون حقوق الآخرين ، ويفرطون في العهود ، ويخونون الأمانات وينتهكون الحرمات ومراعاة حق الله عز وجل مقدم على مراعاة حق العباد 0
•ومن ذلك أيضا اختلافهم في عودة الضمير في قوله تعالى( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )
فقيل يرجع إلي المولى عز وجل فهو الذي يرفع العمل الصالح ، وقيل يرجع إلى العمل الصالح والمعنى : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، وقيل يرجع إلى الكلم الطيب فهو الذي يرفع العمل الصالح .
وأقول كلاهما ينهض بصاحبه ، والله عز وجل هو الذي يرفع ويقبل .
قال الإمام الشوكاني : " ومعنى " والعمل الصالح يرفعه " أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب كما قال الحسن وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبو العالية والضحاك ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا مع العمل الصالح وقيل إن فاعل يرفعه هو الكلم الطيب ومفعوله العمل الصالح ، ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإيمان ، وقيل إن فاعل يرفعه ضمير يعود إلى الله عز وجل ، والمعنى أن الله يرفع العمل الصالح علي الكلم الطيب لأن العمل يحقق الكلام وقيل والعمل الصالح يرفع صاحبه وهو الذي أراد العزة وقال قتادة المعنى أن الله يرفع العمل الصالح لصاحبه أي يقبله فيكون قوله " والعمل الصالح ^ علي هذا مبتدأ خبره يرفعه وكذا علي قول من قال يرفع صاحبه " .
وهذه المعاني كلها تدور حول محور واحد فالعمل الصالح ينهض بالكلم الطيب وهو ثمرة له وبرهان عليه والكلم الطيب يرفع العمل الصالح فهو أساسه وقوامه ، والله تعالى هو الذي يرفع ويتقبل الطيب من القول والصالح من العمل .

4- أن يكون اللفظ مشتركا في اللغة

من أسباب الاختلاف أيضا : أن يكون اللفظ مشتركا في اللغة له أكثر من استعمال علي الحقيقة فيحمل علي أحد الاستعمالات :
•مثل لفظة القرء يراد بها الحيض كما يراد بها الطهر قال تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ …) الخ الآية (11)
قال الشوكاني : " قال أبو عمرو بن العلاء : من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا ، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها ولقارئها أي لوقتها ومنه قول الشاعر
كرهت العقر عقر بني شليل***إذا هبت لقارئها الرياح



نوع الكتاب : zip.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل اختلاف المفسرين .. أسبابه وضوابطه
أحمد محمد الشرقاوي
أحمد محمد الشرقاوي
Ahmed Mohammed Al Sharqawi
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ اختلاف المفسرين .. أسبابه وضوابطه ❝ ❞ نحو منهج أمثل لتفسير القرآن ❝ ❞ نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال الأساس في التفسير ❝ ❞ البيان القرآني للسيرة النبوية ❝ ❞ الحوار القرآني في ضوء سورة الأنعام "دراسة موضوعية " ❝ ❞ تأملات في قصة أصحاب الكهف ❝ ❞ مباهج الزواج في ضوء البيان القرآني ❝ ❞ التوثيق القرآني لغزوة الخندق ❝ ❞ الصحافة والإبداع ❝ الناشرين : ❞ مركز الشارقة للإبداع الفكري ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب علوم القرآن

مجلة الدراسات القرآنية 7 PDF

قراءة و تحميل كتاب مجلة الدراسات القرآنية 7 PDF مجانا

هداية القرآن للتي هي أقوم PDF

قراءة و تحميل كتاب هداية القرآن للتي هي أقوم PDF مجانا

أهل السنة وأصولهم في التفسير PDF

قراءة و تحميل كتاب أهل السنة وأصولهم في التفسير PDF مجانا

خيركم من تعلم القرآن وعلمه PDF

قراءة و تحميل كتاب خيركم من تعلم القرآن وعلمه PDF مجانا

أحكام من القرآن الكريم (الفاتحة - البقرة) PDF

قراءة و تحميل كتاب أحكام من القرآن الكريم (الفاتحة - البقرة) PDF مجانا

أسلوب القسم الظاهر في القرآن الكريم بلاغته وأغراضه PDF

قراءة و تحميل كتاب أسلوب القسم الظاهر في القرآن الكريم بلاغته وأغراضه PDF مجانا

بحث في تكرير الراء PDF

قراءة و تحميل كتاب بحث في تكرير الراء PDF مجانا

أضواء على الإعجاز البلاغي في سورة الفاتحة PDF

قراءة و تحميل كتاب أضواء على الإعجاز البلاغي في سورة الفاتحة PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..