كتاب إمام المتقين صلى الله عليه وسلم وأثر سنته في فهم القرآن الكريمكتب إسلامية

كتاب إمام المتقين صلى الله عليه وسلم وأثر سنته في فهم القرآن الكريم

لما نزل القرآن العظيم تغيَّر العرب، وأُعيد بناء شخصياتهم وفق المنهج الرباني، وتغيروا بآيات الله. وهذه المقالة تكشف طرفًا من أثر القرآن في تغييرهم، وتسلِّط الضوء على عدة عوامل من عوامل تأثير القرآن في نفوسهم وفي نفوس الناس. منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ وقبل أن ينعم الله -عزّ وجلّ- على البشرية بأعظم نعمة، وهي: إنزال القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-، ما كان العرب إلّا شَراذِمَ متفرقة وقبائلَ متناحرة، ثم بين عشية وضحاها صاروا إخوة متحابّين، ورفاقًا متآلفين، يفدي بعضهم بعضًا بالغالي والثمين! وقد نصّ الله تعالى في القرآن على هذه النعمة، فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. كانوا يتقاتلون على الناقة والشاة، ثم ما لبثوا أن آثر بعضهم بعضًا على نفسه؛ ونزل فيهم قول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. لم يكن لأحدهم ولاءٌ إلا لقبيلته التي ينصرها في الباطل قبل الحقّ، ولم يكن في وسع أحدهم إلا الاستجابة لصراخ أخيه في القبيلة، بلا برهان ولا بينة على قوله؛ كما قال الواصفُ لهم: لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانًا[1] ثم ما كان منهم بعد الإسلام إلا أن صار أحدهم ينصر الحقّ ولو كان مع غير قبيلته، امتثالًا لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]. وكانت العصبية القبلية دينهم، فإذا بهم يُجاهِد أحدُهم مع إخوانه في الإسلام ولو كانوا من غير قبيلته؛ بل ولو لم يكونوا من العرب بالأساس! فكان المسلم الأوسي يقاتل بجوار المسلم الخزرجي، بجوار المسلم القرشي، بجوار المسلم الحبشي، بجوار المسلم الرومي، بجوار المسلم الفارسي، كلهم ذابوا في بوتقة واحدة، يقاتلون يدًا واحدة حتى لو كان عدوهم هو قبيلة أحدهم. كانوا يتفاضلون فيما بينهم بالمال والجاه وكثرة العدد والولد وجمال الْخِلْقَة وقوة البدن، ثم أصبحت التقوى هي معيار التفضيل، والذي لا يعلمه إلا الله، بعد أن سمعوا كلام ربهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. كانوا ينتقصون ويكرهون النساء والبنات، حالهم في ذلك كما أخبر الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58- 59]. ويحتقرونهن ولا يعتبرونهن شيئًا؛ ثم أكرموهن وورثوهنَّ، وأعلوا قدرهن؛ كيف لا وقد فرض الله لهن نصيبًا في آيات المواريث، {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]. كان سعي أحدهم وكَدُّهُ طول عمره في تحصيل أكبر قدر من المال والإبل والغنم والعلوّ في الأرض، ثم أصبح منتهى أمل أحدهم أن يُطْعَن في سبيل الله طعنة تنقله إلى منازل الشهداء؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]. كان ليلهم مع شرب الخمور وتمايل الغانيات وفعل المنكرات، فصاروا لا يبيتون إلا وقد صفّوا أقدامهم بين يدي الله -عزّ وجلّ-، يناجونه في جوف الليل، وقد تركوا الغانيات والخمور، وقد كانوا يفرطون في حياتهم التي بين جنوبهم ولا يفرطون فيها! كانوا لا يعتبرون العبيد شيئًا، وكان العبد أهون على سيده من شراك نعله؛ ثم أصبح بعد الإسلام أخًا مساويًا له في الحرمة، بل قد يفوقه ويعلوه إن كان أكثر منه في التقوى والإيمان؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. والسؤال الآن: ما سبب كلّ هذه التغيرات والتحولات وغيرها مما يحيّر الألباب؟ والإجابة على ذلك بشيء واحد: إنه أثر القرآن في تغيير الإنسان بتطبيق النبي القدوة.
مصطفى العدوي - من مواليد قرية منية سمنود التابعة لمحافظة الدقهلية، أتم حفظ القرآن وهو في المرحلة الثانوية على يد مشايخ قريته، وكان قد بدأ في كتَابها، ومن ثمَّ تدرج في مراحل التعليم النظامية كأقرانه من أبناء بلدته في مدارس المحافظة حتى الثانوية، والتحق بكلية الهندسة، وبالتحديد قسم الهندسة الميكانيكية في الفترة (1397هـ - 1398 هـ)، وبعد ذلك رحل إلى مقبل بن هادي الوادعي في اليمن، وحضر دروسه بين عامي (1400 هـ - 1404هـ). ثم رجع إلى مصر، وأنشأ مسجداً صغيراً في قريته التي ولد فيها، وبدأ التدريس فيه حيث درّس صحيحي البخاري، ومسلم، ودروس في التفسير والفقه. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ قصة أصحاب الجنة ❝ ❞ سلسلة التسهيل لتأويل التنزيل تفسير سورتي الفاتحة والبقرة ❝ ❞ الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة ❝ ❞ قصة أصحاب السبت ❝ ❞ أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية نسخة مصورة ❝ ❞ فقه الأخلاق و المعاملات مع المؤمنين نسخة مصورة ❝ ❞ الجمعة آداب وأحكام ❝ ❞ فقه الحسد ❝ ❞ أخبار الدجال وابن الصياد ❝ الناشرين : ❞ مكتبة ابن تيمية ❝ ❞ مكتبة دار البيان ❝ ❞ دار آفاق للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار بلنسية ❝ ❞ دار الهجرة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ماجد عسيري ❝ ❞ دار مكة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار السنة ❝ ❞ دار الخلفاء المنصورة ❝ ❞ مكتبة مكة ❝ ❞ مكتبة الحرمين للعلوم النافعة ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : لما نزل القرآن العظيم تغيَّر العرب، وأُعيد بناء شخصياتهم وفق المنهج الرباني، وتغيروا بآيات الله. وهذه المقالة تكشف طرفًا من أثر القرآن في تغييرهم، وتسلِّط الضوء على عدة عوامل من عوامل تأثير القرآن في نفوسهم وفي نفوس الناس.
منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ وقبل أن ينعم الله -عزّ وجلّ- على البشرية بأعظم نعمة، وهي: إنزال القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-، ما كان العرب إلّا شَراذِمَ متفرقة وقبائلَ متناحرة، ثم بين عشية وضحاها صاروا إخوة متحابّين، ورفاقًا متآلفين، يفدي بعضهم بعضًا بالغالي والثمين!

وقد نصّ الله تعالى في القرآن على هذه النعمة، فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].

كانوا يتقاتلون على الناقة والشاة، ثم ما لبثوا أن آثر بعضهم بعضًا على نفسه؛ ونزل فيهم قول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

لم يكن لأحدهم ولاءٌ إلا لقبيلته التي ينصرها في الباطل قبل الحقّ، ولم يكن في وسع أحدهم إلا الاستجابة لصراخ أخيه في القبيلة، بلا برهان ولا بينة على قوله؛ كما قال الواصفُ لهم:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانًا[1]

ثم ما كان منهم بعد الإسلام إلا أن صار أحدهم ينصر الحقّ ولو كان مع غير قبيلته، امتثالًا لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135].

وكانت العصبية القبلية دينهم، فإذا بهم يُجاهِد أحدُهم مع إخوانه في الإسلام ولو كانوا من غير قبيلته؛ بل ولو لم يكونوا من العرب بالأساس!

فكان المسلم الأوسي يقاتل بجوار المسلم الخزرجي، بجوار المسلم القرشي، بجوار المسلم الحبشي، بجوار المسلم الرومي، بجوار المسلم الفارسي، كلهم ذابوا في بوتقة واحدة، يقاتلون يدًا واحدة حتى لو كان عدوهم هو قبيلة أحدهم.

كانوا يتفاضلون فيما بينهم بالمال والجاه وكثرة العدد والولد وجمال الْخِلْقَة وقوة البدن، ثم أصبحت التقوى هي معيار التفضيل، والذي لا يعلمه إلا الله، بعد أن سمعوا كلام ربهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

كانوا ينتقصون ويكرهون النساء والبنات، حالهم في ذلك كما أخبر الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58- 59].

ويحتقرونهن ولا يعتبرونهن شيئًا؛ ثم أكرموهن وورثوهنَّ، وأعلوا قدرهن؛ كيف لا وقد فرض الله لهن نصيبًا في آيات المواريث، {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].

كان سعي أحدهم وكَدُّهُ طول عمره في تحصيل أكبر قدر من المال والإبل والغنم والعلوّ في الأرض، ثم أصبح منتهى أمل أحدهم أن يُطْعَن في سبيل الله طعنة تنقله إلى منازل الشهداء؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

كان ليلهم مع شرب الخمور وتمايل الغانيات وفعل المنكرات، فصاروا لا يبيتون إلا وقد صفّوا أقدامهم بين يدي الله -عزّ وجلّ-، يناجونه في جوف الليل، وقد تركوا الغانيات والخمور، وقد كانوا يفرطون في حياتهم التي بين جنوبهم ولا يفرطون فيها!

كانوا لا يعتبرون العبيد شيئًا، وكان العبد أهون على سيده من شراك نعله؛ ثم أصبح بعد الإسلام أخًا مساويًا له في الحرمة، بل قد يفوقه ويعلوه إن كان أكثر منه في التقوى والإيمان؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

والسؤال الآن: ما سبب كلّ هذه التغيرات والتحولات وغيرها مما يحيّر الألباب؟

والإجابة على ذلك بشيء واحد: إنه أثر القرآن في تغيير الإنسان بتطبيق النبي القدوة.

للكاتب/المؤلف : مصطفى العدوي .
دار النشر : .
عدد مرات التحميل : 7289 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الإثنين , 18 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 24.6 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

لما نزل القرآن العظيم تغيَّر العرب، وأُعيد بناء شخصياتهم وفق المنهج الرباني، وتغيروا بآيات الله. وهذه المقالة تكشف طرفًا من أثر القرآن في تغييرهم، وتسلِّط الضوء على عدة عوامل من عوامل تأثير القرآن في نفوسهم وفي نفوس الناس.

  منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ وقبل أن ينعم الله -عزّ وجلّ- على البشرية بأعظم نعمة، وهي: إنزال القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-، ما كان العرب إلّا شَراذِمَ متفرقة وقبائلَ متناحرة، ثم بين عشية وضحاها صاروا إخوة متحابّين، ورفاقًا متآلفين، يفدي بعضهم بعضًا بالغالي والثمين!

وقد نصّ الله تعالى في القرآن على هذه النعمة، فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}  [آل عمران: 103].

كانوا يتقاتلون على الناقة والشاة، ثم ما لبثوا أن آثر بعضهم بعضًا على نفسه؛ ونزل فيهم قول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

لم يكن لأحدهم ولاءٌ إلا لقبيلته التي ينصرها في الباطل قبل الحقّ، ولم يكن في وسع أحدهم إلا الاستجابة لصراخ أخيه في القبيلة، بلا برهان ولا بينة على قوله؛ كما قال الواصفُ لهم:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم   في النائبات على ما قال برهانًا[1]

ثم ما كان منهم بعد الإسلام إلا أن صار أحدهم ينصر الحقّ ولو كان مع غير قبيلته، امتثالًا لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135].

وكانت العصبية القبلية دينهم، فإذا بهم يُجاهِد أحدُهم مع إخوانه في الإسلام ولو كانوا من غير قبيلته؛ بل ولو لم يكونوا من العرب بالأساس!

فكان المسلم الأوسي يقاتل بجوار المسلم الخزرجي، بجوار المسلم القرشي، بجوار المسلم الحبشي، بجوار المسلم الرومي، بجوار المسلم الفارسي، كلهم ذابوا في بوتقة واحدة، يقاتلون يدًا واحدة حتى لو كان عدوهم هو قبيلة أحدهم.

كانوا يتفاضلون فيما بينهم بالمال والجاه وكثرة العدد والولد وجمال الْخِلْقَة وقوة البدن، ثم أصبحت التقوى هي معيار التفضيل، والذي لا يعلمه إلا الله، بعد أن سمعوا كلام ربهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

كانوا ينتقصون ويكرهون النساء والبنات، حالهم في ذلك كما أخبر الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58- 59].

ويحتقرونهن ولا يعتبرونهن شيئًا؛ ثم أكرموهن وورثوهنَّ، وأعلوا قدرهن؛ كيف لا وقد فرض الله لهن نصيبًا في آيات المواريث، {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].

كان سعي أحدهم وكَدُّهُ طول عمره في تحصيل أكبر قدر من المال والإبل والغنم والعلوّ في الأرض، ثم أصبح منتهى أمل أحدهم أن يُطْعَن في سبيل الله طعنة تنقله إلى منازل الشهداء؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

كان ليلهم مع شرب الخمور وتمايل الغانيات وفعل المنكرات، فصاروا لا يبيتون إلا وقد صفّوا أقدامهم بين يدي الله -عزّ وجلّ-، يناجونه في جوف الليل، وقد تركوا الغانيات والخمور، وقد كانوا يفرطون في حياتهم التي بين جنوبهم ولا يفرطون فيها!

كانوا لا يعتبرون العبيد شيئًا، وكان العبد أهون على سيده من شراك نعله؛ ثم أصبح بعد الإسلام أخًا مساويًا له في الحرمة، بل قد يفوقه ويعلوه إن كان أكثر منه في التقوى والإيمان؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

والسؤال الآن: ما سبب كلّ هذه التغيرات والتحولات وغيرها مما يحيّر الألباب؟

والإجابة على ذلك بشيء واحد: إنه أثر القرآن في تغيير الإنسان.



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل إمام المتقين صلى الله عليه وسلم وأثر سنته في فهم القرآن الكريم
مصطفى العدوي
مصطفى العدوي
Mostafa Eladawy
من مواليد قرية منية سمنود التابعة لمحافظة الدقهلية، أتم حفظ القرآن وهو في المرحلة الثانوية على يد مشايخ قريته، وكان قد بدأ في كتَابها، ومن ثمَّ تدرج في مراحل التعليم النظامية كأقرانه من أبناء بلدته في مدارس المحافظة حتى الثانوية، والتحق بكلية الهندسة، وبالتحديد قسم الهندسة الميكانيكية في الفترة (1397هـ - 1398 هـ)، وبعد ذلك رحل إلى مقبل بن هادي الوادعي في اليمن، وحضر دروسه بين عامي (1400 هـ - 1404هـ). ثم رجع إلى مصر، وأنشأ مسجداً صغيراً في قريته التي ولد فيها، وبدأ التدريس فيه حيث درّس صحيحي البخاري، ومسلم، ودروس في التفسير والفقه. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ قصة أصحاب الجنة ❝ ❞ سلسلة التسهيل لتأويل التنزيل تفسير سورتي الفاتحة والبقرة ❝ ❞ الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة ❝ ❞ قصة أصحاب السبت ❝ ❞ أحكام الطلاق في الشريعة الإسلامية نسخة مصورة ❝ ❞ فقه الأخلاق و المعاملات مع المؤمنين نسخة مصورة ❝ ❞ الجمعة آداب وأحكام ❝ ❞ فقه الحسد ❝ ❞ أخبار الدجال وابن الصياد ❝ الناشرين : ❞ مكتبة ابن تيمية ❝ ❞ مكتبة دار البيان ❝ ❞ دار آفاق للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار بلنسية ❝ ❞ دار الهجرة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ماجد عسيري ❝ ❞ دار مكة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار السنة ❝ ❞ دار الخلفاء المنصورة ❝ ❞ مكتبة مكة ❝ ❞ مكتبة الحرمين للعلوم النافعة ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب إسلامية متنوعة

معجزة القرآن 7 PDF

قراءة و تحميل كتاب معجزة القرآن 7 PDF مجانا

تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير PDF

قراءة و تحميل كتاب تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير PDF مجانا

ما هو اسمه الله في اليهودية والنصرانية والإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب ما هو اسمه الله في اليهودية والنصرانية والإسلام PDF مجانا

التدخين قاتل الملايين PDF

قراءة و تحميل كتاب التدخين قاتل الملايين PDF مجانا

تنبيه الأمة على وجوب الأخذ بال والسنة PDF

قراءة و تحميل كتاب تنبيه الأمة على وجوب الأخذ بال والسنة PDF مجانا

الله لماذا PDF

قراءة و تحميل كتاب الله لماذا PDF مجانا

شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي PDF

قراءة و تحميل كتاب شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي PDF مجانا

العزاء في ضوء السنة المطهرة PDF

قراءة و تحميل كتاب العزاء في ضوء السنة المطهرة PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..