كتاب قضية المحكم والمتشابهكتب إسلامية

كتاب قضية المحكم والمتشابه

فقد اشتبه على كثير من إخواننا - الذين نحسبهم على خير في كل ما يبذلونه لخدمة دينهم ورفعة إسلامهم - حقيقة مذهب السلف في قضية التفويض ، حيث ظنوا أن مذهب السلف في نصوص الصفات - أو ما يطلقون عليه الصفات الخبرية أو النصوص الموهمة للتشبيه والجسمية - هو تفويض معاني النصوص والكف عن طلب العلم بها ، ويجعلون دليلهم في ذلك ، ما ثبت عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله ، أن رجلا جاءه وقال له : يا أبا عبد الله : { الرحمن على العرش استوى } (1) ، كيف استوى ؟! فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، فإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج (2). والحقيقة أننا إذا دققنا النظر في قول الإمام مالك رحمه الله ، علمنا أنه فرق في جوابه بين أمرين أساسيين ، هما أصل الفهم الذي امتاز به السلف الصالح عن غيرهم في باب الصفات ، أولهما : معنى الاستواء على العرش ، أو معاني الألفاظ التي ورد بها الأدلة السمعية في باب الصفات وسائر الغيبيات بوجه عام ، وثانيهما : كيفية الاستواء على العرش أو الكيفية الغيبية التي تؤول إليها دلالة هذه الألفاظ ، فالمعنى الوارد في نصوص الكتاب والسنة يستوعبه الذهن من خلال فهمه للألفاظ العربية التي نزل بها الوحي ، أما الكيفية فهي المدلول الحقيقي الذي ينطبق عليه اللفظ ، فلفظ الاستواء في الآية السابقة ، لفظ ينطبق على صفة من صفات أفعال الله ، لها كيفية حقيقية غيبية تليق بجلاله ، ما رأيناها ، لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : ( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت ) (1) . وكذلك الكيفية لا تخضع لأقيستنا التمثيلية والشمولية ، لأننا ما رأينا لها مثيلا نصفها أو نحكم عليها من خلاله ، وذلك ما نص عليه قوله تعالى : { ليس كمثله شيء } (2) ، فاللفظ احتوى على مدلول حقيقي يثبت وصف الله عز وجل بالاستواء على العرش ، وقد أمرنا أمر الله بالإيمان به والتصديق بوجوده. ولما غضب الإمام مالك على السائل ، غضب لأنه جاء يسأل عن كيفية الاستواء الغيبية التي تخرج عن إدراك أجهزة الحواس البشرية ، ولا يمكن للإمام مالك رحمه الله أن يخترع له جوابا يصف فيه الكيفية التي عليها استواء الله على العرش ، لعلمه أن ذلك قول على الله بلا علم ، وقد قال الله عز وجل : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } (1) ، وقال أيضا : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } (2) . أما لو جاء السائل مالكا يسأله عن معنى الاستواء في لغة العرب التي خاطبنا الله بها ، أو سأله عن الآية : { الرحمن على العرش استوى } (3) ، ما الذي تضيفه للمسلم في موضوع الإيمان بالله ؟ لما غضب عليه مالك ، إذ أن حق السائل على أهل العلم ، البيان والفهم ، وأن يدرك معاني نصوص القرآن والسنة ، وقد أمره الله بذلك فقال : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } (4) . والجواب عند ذلك بين واضح ، ومعنى الكلام معلوم مفهوم ، ولن يعجز الإمام مالك عن الإجابة ، إذ أن استواء الله على عرشه ، له وجود حقيقي غيبي ، ويعنى في اللغة العلو والارتفاع ، تماما مثلما يسأل صاحب اللسان الأعجمي عن ترجمة هذه الآية ، فإن المترجم لن يترجم له ما لم يره من الكيفية التي عليها الاستواء ، ولا يمكنه ذلك بحال من الأحوال ، وإنما سيشرح له بلغته معنى العلو والارتفاع على العرش ، وأن الله ليس كمثله شيء في استوائه ، ويبين له ضرورة الإيمان بوجود حقيقة الاستواء ، وأن له كيفية معينة تليق بجلال الله ، يعلمها الله عز وجل ولا نعلمها نحن إلى غير ذلك مما يبين مراد الله من الآية . فالآية أوجبت الإيمان باستواء حقيقي ، لا نعلم كيفيته ويجب أن نسلم لله به وعلى ذلك ، فإن معتقد الإمام مالك الذي يمثل مذهب السلف الصالح ، هو تفويض العلم بالكيفية الغيبية فقط ، أما المعنى فهو معلوم ظاهر من لغة العرب ومراد مفهوم من الآية ، وهذا واضح بين في كلامه ، حيث قال : الاستواء غير مجهول أي معلوم المعنى ، والكيف غير معقول أي مجهول للعقل البشرى بسبب عجزه عن إدراكه . ومن ثم لو قلنا كما قال الخلف من الأشعرية ، بأن مالكا فوض العلم بالمعنى لا الكيفية ، فإن ذلك يؤدى إلى لوازم عديدة ، أبرزها القول بأن كلام الله بلا معنى ، وسبب ذلك هو الخطأ في فهم اعتقاد مالك ، أو عدم التوفيق في فهم حقيقة المذهب السلفي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معقبا على قول مالك في الاستواء : ( وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول ، فليس في أهل السنة من ينكره ، وقد بين أن الاستواء معلوم ، كما أن سائر ما أخبر به معلوم ، ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها ، لا يقال : كيف استوى ؟ ولم يقل مالك رحمه الله الكيف معدوم ، وإنما قال الكيف مجهول ) (1) . وإلحاقا بهذا الموضوع يأتي هذا البحث الذي يتناول العلاقة بين فهم قضية المحكم والمتشابه وأثر ذلك على القول بالتفويض ، كيف تطرد القضيتان سلبا وإيجابا ؟ وقد قسمت البحث بعد المقدمة إلى مبحثين وخاتمة تناول البحث قضية المحكم والمتشابه وأثرها على القول بالتفويض ، أو بتعبير آخر العلاقة بين المحكم والمتشابه الذي ورد في قوله تعالي : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } (آل عمران:7) ، وأثر ذلك على القول بالتفويض ، والبحث مقسم بعد المقدمة إلي مبحثين وخاتمة ، تناول المبحث الأول موقف السلف والخلف من المحكم والمتشابه وقضية التفويض ، وقد اشتمل على ذكر المقصود بمصطلح السلف والخلف ، سواء بالنسبة للعامل الزمني أو العامل المنهجي ثم تعريف المحكم والمتشابه والتفويض لغة واصطلاحا ، وحصر الآراء التي فسرت معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ، ثم تناول المبحث طرح الرؤية السلفية في فهم المعنى والكيفية وعلاقته بالمحكم والمتشابه بأسلوب بسيط . أما المبحث الثاني فقد تناول العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض ، وقد اشتمل على ذكر حقيقة مذهب الخلف في نصوص الصفات ، وأمثلة معاصرة على اعتقاد الخلف أن مذهب السلف هو التفويض ، ثم تناول الحديث عن أثر عقيدة التفويض في الدعوة إلى عدم الكلام في نصوص الصفات عند العوام ، وأيضا أسباب القول بالتفويض ولوازمه . وقد اشتملت الخاتمة على أبرز النتائج ، وكان من أهمها التنبه إلى خطورة القول بالتفويض ، وسلب كلام الله عن معناه ، أو محاولة تقبيح إثبات الصفات في نفس السامع ، تحت مسمى التجسيم وإثبات الأعضاء والجوارح لله ، وأنه بالمقارنة بين موقف السلف والخلف من قضية المحكم والمتشابه وعلاقتها بمسألة التفويض ، يظهر أن الفهم الصحيح لمعنى المحكم والمتشابه سوف يؤثر إيجابا أو سلبا على ظهور الحق في قضية التفويض .
محمود عبد الرازق الرضواني - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أصول العقيدة .. ❝ ❞ سهل في التوحيد والعقيدة ❝ ❞ قضية المحكم والمتشابه ❝ ❞ منة القدير في توحيد الربوبية والإيمان بالقضاء والقدر والحكمة والتدبير ❝ ❞ أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ط2 ❝ ❞ كفاية الطالبين في بيان فرق المسلمين وملل المخالفين ❝ ❞ المعجم الصوفى ❝ ❞ مختصر التعرف على أسماء الله الحسنى الثابتة في ال المقدس دراسة مقارنة ❝ ❞ البدعة الكبرى (محنة الإمام في صفة الكلام) نسخة مصورة ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : فقد اشتبه على كثير من إخواننا - الذين نحسبهم على خير في كل ما يبذلونه لخدمة دينهم ورفعة إسلامهم - حقيقة مذهب السلف في قضية التفويض ، حيث ظنوا أن مذهب السلف في نصوص الصفات - أو ما يطلقون عليه الصفات الخبرية أو النصوص الموهمة للتشبيه والجسمية - هو تفويض معاني النصوص والكف عن طلب العلم بها ، ويجعلون دليلهم في ذلك ، ما ثبت عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله ، أن رجلا جاءه وقال له : يا أبا عبد الله : { الرحمن على العرش استوى } (1) ، كيف استوى ؟! فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، فإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج (2).

والحقيقة أننا إذا دققنا النظر في قول الإمام مالك رحمه الله ، علمنا أنه فرق في جوابه بين أمرين أساسيين ، هما أصل الفهم الذي امتاز به السلف الصالح عن غيرهم في باب الصفات ، أولهما : معنى الاستواء على العرش ، أو معاني الألفاظ التي ورد بها الأدلة السمعية في باب الصفات وسائر الغيبيات بوجه عام ، وثانيهما : كيفية الاستواء على العرش أو الكيفية الغيبية التي تؤول إليها دلالة هذه الألفاظ ، فالمعنى الوارد في نصوص الكتاب والسنة يستوعبه الذهن من خلال فهمه للألفاظ العربية التي نزل بها الوحي ، أما الكيفية فهي المدلول الحقيقي الذي ينطبق عليه اللفظ ، فلفظ الاستواء في الآية السابقة ، لفظ ينطبق على صفة من صفات أفعال الله ، لها كيفية حقيقية غيبية تليق بجلاله ، ما رأيناها ، لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : ( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت ) (1) .

وكذلك الكيفية لا تخضع لأقيستنا التمثيلية والشمولية ، لأننا ما رأينا لها مثيلا نصفها أو نحكم عليها من خلاله ، وذلك ما نص عليه قوله تعالى : { ليس كمثله شيء } (2) ، فاللفظ احتوى على مدلول حقيقي يثبت وصف الله عز وجل بالاستواء على العرش ، وقد أمرنا أمر الله بالإيمان به والتصديق بوجوده.

ولما غضب الإمام مالك على السائل ، غضب لأنه جاء يسأل عن كيفية الاستواء الغيبية التي تخرج عن إدراك أجهزة الحواس البشرية ، ولا يمكن للإمام مالك رحمه الله أن يخترع له جوابا يصف فيه الكيفية التي عليها استواء الله على العرش ، لعلمه أن ذلك قول على الله بلا علم ، وقد قال الله عز وجل : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } (1) ، وقال أيضا : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } (2) .

أما لو جاء السائل مالكا يسأله عن معنى الاستواء في لغة العرب التي خاطبنا الله بها ، أو سأله عن الآية : { الرحمن على العرش استوى } (3) ، ما الذي تضيفه للمسلم في موضوع الإيمان بالله ؟ لما غضب عليه مالك ، إذ أن حق السائل على أهل العلم ، البيان والفهم ، وأن يدرك معاني نصوص القرآن والسنة ، وقد أمره الله بذلك فقال : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } (4) .

والجواب عند ذلك بين واضح ، ومعنى الكلام معلوم مفهوم ، ولن يعجز الإمام مالك عن الإجابة ، إذ أن استواء الله على عرشه ، له وجود حقيقي غيبي ، ويعنى في اللغة العلو والارتفاع ، تماما مثلما يسأل صاحب اللسان الأعجمي عن ترجمة هذه الآية ، فإن المترجم لن يترجم له ما لم يره من الكيفية التي عليها الاستواء ، ولا يمكنه ذلك بحال من الأحوال ، وإنما سيشرح له بلغته معنى العلو والارتفاع على العرش ، وأن الله ليس كمثله شيء في استوائه ، ويبين له ضرورة الإيمان بوجود حقيقة الاستواء ، وأن له كيفية معينة تليق بجلال الله ، يعلمها الله عز وجل ولا نعلمها نحن إلى غير ذلك مما يبين مراد الله من الآية .

فالآية أوجبت الإيمان باستواء حقيقي ، لا نعلم كيفيته ويجب أن نسلم لله به وعلى ذلك ، فإن معتقد الإمام مالك الذي يمثل مذهب السلف الصالح ، هو تفويض العلم بالكيفية الغيبية فقط ، أما المعنى فهو معلوم ظاهر من لغة العرب ومراد مفهوم من الآية ، وهذا واضح بين في كلامه ، حيث قال : الاستواء غير مجهول أي معلوم المعنى ، والكيف غير معقول أي مجهول للعقل البشرى بسبب عجزه عن إدراكه .

ومن ثم لو قلنا كما قال الخلف من الأشعرية ، بأن مالكا فوض العلم بالمعنى لا الكيفية ، فإن ذلك يؤدى إلى لوازم عديدة ، أبرزها القول بأن كلام الله بلا معنى ، وسبب ذلك هو الخطأ في فهم اعتقاد مالك ، أو عدم التوفيق في فهم حقيقة المذهب السلفي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معقبا على قول مالك في الاستواء : ( وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول ، فليس في أهل السنة من ينكره ، وقد بين أن الاستواء معلوم ، كما أن سائر ما أخبر به معلوم ، ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها ، لا يقال : كيف استوى ؟ ولم يقل مالك رحمه الله الكيف معدوم ، وإنما قال الكيف مجهول ) (1) .

وإلحاقا بهذا الموضوع يأتي هذا البحث الذي يتناول العلاقة بين فهم قضية المحكم والمتشابه وأثر ذلك على القول بالتفويض ، كيف تطرد القضيتان سلبا وإيجابا ؟ وقد قسمت البحث بعد المقدمة إلى مبحثين وخاتمة


تناول البحث قضية المحكم والمتشابه وأثرها على القول بالتفويض ، أو بتعبير آخر العلاقة بين المحكم والمتشابه الذي ورد في قوله تعالي : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } (آل عمران:7) ، وأثر ذلك على القول بالتفويض ، والبحث مقسم بعد المقدمة إلي مبحثين وخاتمة ، تناول المبحث الأول موقف السلف والخلف من المحكم والمتشابه وقضية التفويض ، وقد اشتمل على ذكر المقصود بمصطلح السلف والخلف ، سواء بالنسبة للعامل الزمني أو العامل المنهجي ثم تعريف المحكم والمتشابه والتفويض لغة واصطلاحا ، وحصر الآراء التي فسرت معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ، ثم تناول المبحث طرح الرؤية السلفية في فهم المعنى والكيفية وعلاقته بالمحكم والمتشابه بأسلوب بسيط .

أما المبحث الثاني فقد تناول العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض ، وقد اشتمل على ذكر حقيقة مذهب الخلف في نصوص الصفات ، وأمثلة معاصرة على اعتقاد الخلف أن مذهب السلف هو التفويض ، ثم تناول الحديث عن أثر عقيدة التفويض في الدعوة إلى عدم الكلام في نصوص الصفات عند العوام ، وأيضا أسباب القول بالتفويض ولوازمه . وقد اشتملت الخاتمة على أبرز النتائج ، وكان من أهمها التنبه إلى خطورة القول بالتفويض ، وسلب كلام الله عن معناه ، أو محاولة تقبيح إثبات الصفات في نفس السامع ، تحت مسمى التجسيم وإثبات الأعضاء والجوارح لله ، وأنه بالمقارنة بين موقف السلف والخلف من قضية المحكم والمتشابه وعلاقتها بمسألة التفويض ، يظهر أن الفهم الصحيح لمعنى المحكم والمتشابه سوف يؤثر إيجابا أو سلبا على ظهور الحق في قضية التفويض .


للكاتب/المؤلف : محمود عبد الرازق الرضواني .
دار النشر : .
عدد مرات التحميل : 10429 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الأربعاء , 13 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 60 كيلوبايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

فقد اشتبه على كثير من إخواننا - الذين نحسبهم على خير في كل ما يبذلونه لخدمة دينهم ورفعة إسلامهم - حقيقة مذهب السلف في قضية التفويض ، حيث ظنوا أن مذهب السلف في نصوص الصفات - أو ما يطلقون عليه الصفات الخبرية أو النصوص الموهمة للتشبيه والجسمية - هو تفويض معاني النصوص والكف عن طلب العلم بها ، ويجعلون دليلهم في ذلك ، ما ثبت عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله ، أن رجلا جاءه وقال له : يا أبا عبد الله : { الرحمن على العرش استوى } (1) ، كيف استوى ؟! فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، فإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج (2).

والحقيقة أننا إذا دققنا النظر في قول الإمام مالك رحمه الله ، علمنا أنه فرق في جوابه بين أمرين أساسيين ، هما أصل الفهم الذي امتاز به السلف الصالح عن غيرهم في باب الصفات ، أولهما : معنى الاستواء على العرش ، أو معاني الألفاظ التي ورد بها الأدلة السمعية في باب الصفات وسائر الغيبيات بوجه عام ، وثانيهما : كيفية الاستواء على العرش أو الكيفية الغيبية التي تؤول إليها دلالة هذه الألفاظ ، فالمعنى الوارد في نصوص الكتاب والسنة يستوعبه الذهن من خلال فهمه للألفاظ العربية التي نزل بها الوحي ، أما الكيفية فهي المدلول الحقيقي الذي ينطبق عليه اللفظ ، فلفظ الاستواء في الآية السابقة ، لفظ ينطبق على صفة من صفات أفعال الله ، لها كيفية حقيقية غيبية تليق بجلاله ، ما رأيناها ، لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : ( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت ) (1) .

وكذلك الكيفية لا تخضع لأقيستنا التمثيلية والشمولية ، لأننا ما رأينا لها مثيلا نصفها أو نحكم عليها من خلاله ، وذلك ما نص عليه قوله تعالى : { ليس كمثله شيء } (2) ، فاللفظ احتوى على مدلول حقيقي يثبت وصف الله عز وجل بالاستواء على العرش ، وقد أمرنا أمر الله بالإيمان به والتصديق بوجوده.

ولما غضب الإمام مالك على السائل ، غضب لأنه جاء يسأل عن كيفية الاستواء الغيبية التي تخرج عن إدراك أجهزة الحواس البشرية ، ولا يمكن للإمام مالك رحمه الله أن يخترع له جوابا يصف فيه الكيفية التي عليها استواء الله على العرش ، لعلمه أن ذلك قول على الله بلا علم ، وقد قال الله عز وجل : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } (1) ، وقال أيضا : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } (2) .

أما لو جاء السائل مالكا يسأله عن معنى الاستواء في لغة العرب التي خاطبنا الله بها ، أو سأله عن الآية : { الرحمن على العرش استوى } (3) ، ما الذي تضيفه للمسلم في موضوع الإيمان بالله ؟ لما غضب عليه مالك ، إذ أن حق السائل على أهل العلم ، البيان والفهم ، وأن يدرك معاني نصوص القرآن والسنة ، وقد أمره الله بذلك فقال : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } (4) .

والجواب عند ذلك بين واضح ، ومعنى الكلام معلوم مفهوم ، ولن يعجز الإمام مالك عن الإجابة ، إذ أن استواء الله على عرشه ، له وجود حقيقي غيبي ، ويعنى في اللغة العلو والارتفاع ، تماما مثلما يسأل صاحب اللسان الأعجمي عن ترجمة هذه الآية ، فإن المترجم لن يترجم له ما لم يره من الكيفية التي عليها الاستواء ، ولا يمكنه ذلك بحال من الأحوال ، وإنما سيشرح له بلغته معنى العلو والارتفاع على العرش ، وأن الله ليس كمثله شيء في استوائه ، ويبين له ضرورة الإيمان بوجود حقيقة الاستواء ، وأن له كيفية معينة تليق بجلال الله ، يعلمها الله عز وجل ولا نعلمها نحن إلى غير ذلك مما يبين مراد الله من الآية .

فالآية أوجبت الإيمان باستواء حقيقي ، لا نعلم كيفيته ويجب أن نسلم لله به وعلى ذلك ، فإن معتقد الإمام مالك الذي يمثل مذهب السلف الصالح ، هو تفويض العلم بالكيفية الغيبية فقط ، أما المعنى فهو معلوم ظاهر من لغة العرب ومراد مفهوم من الآية ، وهذا واضح بين في كلامه ، حيث قال : الاستواء غير مجهول أي معلوم المعنى ، والكيف غير معقول أي مجهول للعقل البشرى بسبب عجزه عن إدراكه .

ومن ثم لو قلنا كما قال الخلف من الأشعرية ، بأن مالكا فوض العلم بالمعنى لا الكيفية ، فإن ذلك يؤدى إلى لوازم عديدة ، أبرزها القول بأن كلام الله بلا معنى ، وسبب ذلك هو الخطأ في فهم اعتقاد مالك ، أو عدم التوفيق في فهم حقيقة المذهب السلفي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معقبا على قول مالك في الاستواء : ( وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول ، فليس في أهل السنة من ينكره ، وقد بين أن الاستواء معلوم ، كما أن سائر ما أخبر به معلوم ، ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها ، لا يقال : كيف استوى ؟ ولم يقل مالك رحمه الله الكيف معدوم ، وإنما قال الكيف مجهول ) (1) .

وإلحاقا بهذا الموضوع يأتي هذا البحث الذي يتناول العلاقة بين فهم قضية المحكم والمتشابه وأثر ذلك على القول بالتفويض ، كيف تطرد القضيتان سلبا وإيجابا ؟ وقد قسمت البحث بعد المقدمة إلى مبحثين وخاتمة


تناول البحث قضية المحكم والمتشابه وأثرها على القول بالتفويض ، أو بتعبير آخر العلاقة بين المحكم والمتشابه الذي ورد في قوله تعالي : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } (آل عمران:7) ، وأثر ذلك على القول بالتفويض ، والبحث مقسم بعد المقدمة إلي مبحثين وخاتمة ، تناول المبحث الأول موقف السلف والخلف من المحكم والمتشابه وقضية التفويض ، وقد اشتمل على ذكر المقصود بمصطلح السلف والخلف ، سواء بالنسبة للعامل الزمني أو العامل المنهجي ثم تعريف المحكم والمتشابه والتفويض لغة واصطلاحا ، وحصر الآراء التي فسرت معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ، ثم تناول المبحث طرح الرؤية السلفية في فهم المعنى والكيفية وعلاقته بالمحكم والمتشابه بأسلوب بسيط .

أما المبحث الثاني فقد تناول العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض ، وقد اشتمل على ذكر حقيقة مذهب الخلف في نصوص الصفات ، وأمثلة معاصرة على اعتقاد الخلف أن مذهب السلف هو التفويض ، ثم تناول الحديث عن أثر عقيدة التفويض في الدعوة إلى عدم الكلام في نصوص الصفات عند العوام ، وأيضا أسباب القول بالتفويض ولوازمه . وقد اشتملت الخاتمة على أبرز النتائج ، وكان من أهمها التنبه إلى خطورة القول بالتفويض ، وسلب كلام الله عن معناه ، أو محاولة تقبيح إثبات الصفات في نفس السامع ، تحت مسمى التجسيم وإثبات الأعضاء والجوارح لله ، وأنه بالمقارنة بين موقف السلف والخلف من قضية المحكم والمتشابه وعلاقتها بمسألة التفويض ، يظهر أن الفهم الصحيح لمعنى المحكم والمتشابه سوف يؤثر إيجابا أو سلبا على ظهور الحق في قضية التفويض .



نوع الكتاب : zip.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل قضية المحكم والمتشابه
محمود عبد الرازق الرضواني
محمود عبد الرازق الرضواني
Mahmoud Abdul Razek Al Radwani
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أصول العقيدة .. ❝ ❞ سهل في التوحيد والعقيدة ❝ ❞ قضية المحكم والمتشابه ❝ ❞ منة القدير في توحيد الربوبية والإيمان بالقضاء والقدر والحكمة والتدبير ❝ ❞ أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ط2 ❝ ❞ كفاية الطالبين في بيان فرق المسلمين وملل المخالفين ❝ ❞ المعجم الصوفى ❝ ❞ مختصر التعرف على أسماء الله الحسنى الثابتة في ال المقدس دراسة مقارنة ❝ ❞ البدعة الكبرى (محنة الإمام في صفة الكلام) نسخة مصورة ❝ ❱.



كتب اخرى في كتب علوم القرآن

التدبر حقيقته وعلاقته بمصطلحات التأويل والاستنباط والفهم والتفسير دراسة بلاغية تحليلية على آيات من الذكر الحكيم PDF

قراءة و تحميل كتاب التدبر حقيقته وعلاقته بمصطلحات التأويل والاستنباط والفهم والتفسير دراسة بلاغية تحليلية على آيات من الذكر الحكيم PDF مجانا

المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (ت. قولاج) PDF

قراءة و تحميل كتاب المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (ت. قولاج) PDF مجانا

النسخ في القرآن الكريم - المجلد الاول PDF

قراءة و تحميل كتاب النسخ في القرآن الكريم - المجلد الاول PDF مجانا

الإعجاز في دراسات السابقين دراسة كاشفة لخصائص البلاغة العربية ومعاييرها PDF

قراءة و تحميل كتاب الإعجاز في دراسات السابقين دراسة كاشفة لخصائص البلاغة العربية ومعاييرها PDF مجانا

قواعد التدبر الأمثل ل الله عزوجل تأملات PDF

قراءة و تحميل كتاب قواعد التدبر الأمثل ل الله عزوجل تأملات PDF مجانا

منظومة الزمزمي PDF

قراءة و تحميل كتاب منظومة الزمزمي PDF مجانا

إسعاف طلاب القرآن من بدع قراء آخر الزمان PDF

قراءة و تحميل كتاب إسعاف طلاب القرآن من بدع قراء آخر الزمان PDF مجانا

الوقف والابتداء PDF

قراءة و تحميل كتاب الوقف والابتداء PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..