❞ كتاب تفسير القرآن الكريم سورة الشورى ❝  ⏤ محمد بن صالح العثيمين

❞ كتاب تفسير القرآن الكريم سورة الشورى ❝ ⏤ محمد بن صالح العثيمين

سورة الشورى سورة مكية إلا الآيات 23 حتى 27 فهي مدنية، السورة من المثاني، آياتها 53، وترتيبها في المصحف 42، في الجزء الخامس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ Ra bracket.png حم Aya-1.png La bracket.png، نزلت بعد سورة فصلت.

أسباب النزول
أسباب نزول الآية (23): قال قتادة: قال المشركون: لعل محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا. فنزلت الآية حثا على مودته ومودة أقربائه.
أسباب نزول الآية (27) : ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده﴾[42:27] نزلت في أهل الصفة تمنوا الغنى وسعة الرزق، قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الآية، وذلك أننا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير فتمنيناها. رواه الحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان.
أسباب نزول الآية (51) : قال القرطبي: سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي ﷺ هلا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فقال النبي: إن موسى لم ينظر إليه. فنزلت الآية.
ما تتضمنه السورة
هذه السورة تعالج قضية العقيدة كسائر السور المكية، ولكنها تركز بصفة خاصة على حقيقة الوحي والرسالة، حتى ليصح أن يقال إنها المحور الرئيسي الذي ترتبط به السورة كلها، وتأتي سائر الموضوعات فيها تبعاً لتلك الحقيقة الرئيسية فيها.

ومع أن السورة تتوسع بالحديث عن حقيقة الوحدانية، وتعرضها من جوانب متعددة، كما أنها تتحدث عن حقيقة القيامة والإيمان بها، ويأتي ذكر الآخرة في مواضع متعددة منها. كذلك تتناول عرض صفات المؤمنين وأخلاقهم التي يمتازون بها. كما تلم بقضية الرزق: بسطه وقبضه، وصفة الإنسان في السراء والضراء.

ولكن حقيقة الوحي والرسالة تظل الحقيقة البارزة في محيط السورة وكأن سائر الموضوعات الأخرى مسوقة لتقوية تلك الحقيقة الأولى وتوكيدها.

ويسير سياق السورة في عرض تلك الحقيقة، وما يصاحبها من موضوعات أخرى بطريقة تدعو إلى مزيد من التدبر والملاحظة. فهي تعرض من جوانب متعددة. يفترق بعضها عن بعض ببضع آيات تتحدث عن وحدانية الخالق. أو وحدانية الرازق. أو وحدانية المتصرف بالقلوب. أو وحدانية المتصرف بالمصير...ذلك بينما يتجه الحديث عن حقيقة الوحي والرسالة إلى تقرير وحدانية الموحي – سبحانه – ووحدة الوحي.ووحدة العقيدة. ووحدة المنهج والطريق. وأخيراً وحدة القيادة البشرية في ظل العقيدة.

ومن ثم يرتسم في النفس خط الوحدانية بارزاً واضحاً، بشتى معانيه وشتى ظلاله وشتى إيحاءته، من وراء موضوعات السورة جميعاً

تبدأ السورة بالأحرف المقطعة: (حا. ميم. عين. سين. قاف).. يليها: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [42:3].. مقرراً وحدة الوحي في الأولين والآخرين.

ثم يستطرد السياق في صفة الله العزيز الحكيم: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [42:4] مقرراً لوحدة المالك لما في السماوات والأرض واستعلاءه وعظمته على وجه الانفراد.

ثم يستطرد استطرداً آخر في وصف حال الكون تجاه حالة الإيمان بالمالك الواحد، وتجاه الشرك الذي يشذ به بعض الناس: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ۝5وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ۝6﴾ [42:5—6].

وبعد هذه الجولة يعود السياق للحقيقة الأولى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [42:7] ثم يستطرد فيقرر أن لو شاء الله لجعلهم أمة واحدة. ولكن مشيئه اقتضت – بما له من علم وحكمة – أن يدخل من يشاء في رحمته ﴿والظالمون مالهم من ولى ولا نصير﴾[42:8] ويقرر أن الله وحده ﴿هو الولى وهو يحي الموتي وهو على كل شيء قدير﴾[42:9].

ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى، حقيقة الوحي والرسالة، فيقرر أن الحكم فيما يختلف فيه البشر من شيء هو الله الذي أنزل هذا القرآن ليرجع إليه الناس في كل اختلاف: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله﴾[42:10].

ويستطرد مع الربوبية إلى وحدانية الخالق، وتفرد ذاته. ووحدانية التصرف في مقادير السماوات والأرض، وفي بسط الرزق وقبضه، وفي علمه بكل شيء: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ۝11لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ۝12﴾ [42:11—12].

ثم يعود إلى الحقيقة الأولى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً﴾[42:13]. وعلى هذا النسق تمضي السورة في عرض هذه الحقيقة، محوطة بهذا الجو، وهذه الاستطردات المتعلقة بقضايا العقيدة الأخرى، والقارئ يلتقى بعد كل بضع آيات بحقيقة الوحى والرسالة في جانب من جوانبها.

أما الدرس الثاني ويؤلف بقية السورة فيبدأ باستعراض بعض آيات الله في بسط الرزق وقبضه، وفي تنزيل الغيث برحمته، وفي خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة، وفي الفلك الجواري في البحر كالأعلام، ويستطرد من هذه الآيات إلى صفة المؤمنين التي تفردهم وتميز جماعتهم، فإلى مشهد من مشاهد يوم القيامة يعرض صورة الظالمين لما رؤوا العذاب: ﴿يقولون هل إلى مرد من سبيل﴾[42:44]، ﴿وقال الذين آمنوا: إن الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ واهليهم يوم القيامة﴾[42:45].

ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى في السورة، حقيقة الوحي والرسالة في جانب من جوانبها: ﴿فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ﴾[42:48].

ويمضي سياق السورة حتى ختامها يدور حول هذا المحور مباشرة أوغير مباشرة مع طابع الاستطراد بين كل إشارة وإشارة إلى تلك الحقيقة حتي يكون ختام السورة بهذا البيان: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [42:51].

ومن وراء هذا التركيز على حقيقة الوحى والرسالة في سياق السورة كله يبرز هدف خاص لعرضها على هذا النحو وفي هذا التتابع هذا الهدف هو تعين القيادة الجديدة للمبشرين ممثله في الرسالة الأخيرة، ورسولها، والأمة المسلمة التي تتبع نهجه الإلهي الثابت القويم

وتبدأ أول إشارة في مطلع السورة: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [42:3] لتقرر أن الله هو الموحي بجميع الرسالات لجميع الرسل، وأن الرسالة هي امتداد لأمر مطرد من قديم وتأتي الإشارة الثانية بعد قليل: ﴿وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها﴾[42:7]... لتقرر مركز القيادة الجديدة التي سترد إليها الإشارة فيما بعد.

وفي الإشارة الثالثة يقرر وحدة الرسالة بعد ما قرر في الرسالة الأولى وحدة المصدر: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً﴾[42:13].

وتستطرد هذه الإشارة إلى التقرير أن التفرق قد وقع. ولم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم. وقع بقياً وظلماً وحسداً: ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم﴾[42:14].

ثم تستطرد كذلك إلى بيان حال الذين جاءوا من بعد أولئك الذين اختلفوا: ﴿وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾[42:14]. وعند هذا الحد يتبين أن البشرية قد آلت إلى فوضى وارتياب، ولم تعد لها قيادة راشدة تقوم على نهج ثابت قويم.. فرسالة السماء التي تقود البشرية قد آلت إلى اختلاف بين أتباعها. والذين جاءوا من بعدهم تلقوها في ريبة وشك لا تستقيم معها قيادة راشدة.

ومن ثم يعلن انتداب الرسالة الأخيرة وحاملها – صلى الله عليه وسلم – لهذه القيادة: ﴿فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم﴾[42:15] ومن ثم تجيء صفة الجماعة المميزة لها طبيعة في سياق هذه السورة بوصفها الجماعة التي ستقوم على قيادة هذه البشرية على ذلك النهج الثابت القويم.

وعلى ضوء هذه الحقيقة يصبح سياق السورة وموضوعها الرئيسي والموضوعات الأخرى فيه واضحة القصد والاتجاه.
محمد بن صالح العثيمين - محمد بن صالح العثيمين ، هو أبو عَبد الله مُحَمّد بن صَالِح بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمن العُثَيْمِين الوهيبي التميمي (29 مارس 1929 - 11 يناير 2001).

 ولد في ليلة 27 رمضان عام 1347 هـ، في عنيزة إحدى مدن القصيم. قرأ القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ؛ فحفظه ثم اتجه إلى طلب العلم وتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب.




❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ شرح رياض الصالحين (ابن عثيمين) ❝ ❞ شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ❝ ❞ شرح الآجرومية ❝ ❞ عقيدة أهل السنة والجماعة ❝ ❞ شرح كتاب السياسة الشرعية ❝ ❞ مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / المجلد الأول : العقيدة ❝ ❞ القول المفيد على كتاب التوحيد ❝ ❞ شرح صحيح البخاري ❝ ❞ EHL-İ SÜNNRT VEL-CEMAAT AKÎDESİ - عقيدة أهل السنة والجماعة (تركي) ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ مكتبة الملك فهد الوطنية ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن الجوزي ❝ ❞ دار طيبة للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة الرشد ❝ ❞ المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار العاصمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الوطن للطباعة والنشر والعلاقات العامة ❝ ❞ مدار الوطن للنشر ❝ ❞ مكتبة الصحابة ❝ ❞ مكتب الدعوة بالربوة ❝ ❞ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار أضواء السلف ❝ ❞ دار ابن القيم ❝ ❞ الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ❝ ❞ مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية ❝ ❞ دار الثريا للنشر ❝ ❞ مكتبة السنة ❝ ❞ دار الوطن ❝ ❞ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ❝ ❞ دار الغد الجديد ❝ ❞ دار طويق للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار البصيرة ❝ ❞ دار السنة ❝ ❞ مكتبة التوعية الإسلامية ❝ ❞ دار عباد الرحمن ❝ ❞ مكتبة الأمة ❝ ❞ مؤسسة الشيخ محمد ابن صالح العثيمين ❝ ❞ الإسلام 2012 ❝ ❞ دار ابن الهيثم ❝ ❞ دار الدرة للنشر و التوزيع ❝ ❞ دار الشريعة ❝ ❱
من التفاسير القرآنية كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
تفسير القرآن الكريم سورة الشورى

2016م - 1445هـ
سورة الشورى سورة مكية إلا الآيات 23 حتى 27 فهي مدنية، السورة من المثاني، آياتها 53، وترتيبها في المصحف 42، في الجزء الخامس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ Ra bracket.png حم Aya-1.png La bracket.png، نزلت بعد سورة فصلت.

أسباب النزول
أسباب نزول الآية (23): قال قتادة: قال المشركون: لعل محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا. فنزلت الآية حثا على مودته ومودة أقربائه.
أسباب نزول الآية (27) : ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده﴾[42:27] نزلت في أهل الصفة تمنوا الغنى وسعة الرزق، قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الآية، وذلك أننا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير فتمنيناها. رواه الحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان.
أسباب نزول الآية (51) : قال القرطبي: سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي ﷺ هلا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فقال النبي: إن موسى لم ينظر إليه. فنزلت الآية.
ما تتضمنه السورة
هذه السورة تعالج قضية العقيدة كسائر السور المكية، ولكنها تركز بصفة خاصة على حقيقة الوحي والرسالة، حتى ليصح أن يقال إنها المحور الرئيسي الذي ترتبط به السورة كلها، وتأتي سائر الموضوعات فيها تبعاً لتلك الحقيقة الرئيسية فيها.

ومع أن السورة تتوسع بالحديث عن حقيقة الوحدانية، وتعرضها من جوانب متعددة، كما أنها تتحدث عن حقيقة القيامة والإيمان بها، ويأتي ذكر الآخرة في مواضع متعددة منها. كذلك تتناول عرض صفات المؤمنين وأخلاقهم التي يمتازون بها. كما تلم بقضية الرزق: بسطه وقبضه، وصفة الإنسان في السراء والضراء.

ولكن حقيقة الوحي والرسالة تظل الحقيقة البارزة في محيط السورة وكأن سائر الموضوعات الأخرى مسوقة لتقوية تلك الحقيقة الأولى وتوكيدها.

ويسير سياق السورة في عرض تلك الحقيقة، وما يصاحبها من موضوعات أخرى بطريقة تدعو إلى مزيد من التدبر والملاحظة. فهي تعرض من جوانب متعددة. يفترق بعضها عن بعض ببضع آيات تتحدث عن وحدانية الخالق. أو وحدانية الرازق. أو وحدانية المتصرف بالقلوب. أو وحدانية المتصرف بالمصير...ذلك بينما يتجه الحديث عن حقيقة الوحي والرسالة إلى تقرير وحدانية الموحي – سبحانه – ووحدة الوحي.ووحدة العقيدة. ووحدة المنهج والطريق. وأخيراً وحدة القيادة البشرية في ظل العقيدة.

ومن ثم يرتسم في النفس خط الوحدانية بارزاً واضحاً، بشتى معانيه وشتى ظلاله وشتى إيحاءته، من وراء موضوعات السورة جميعاً

تبدأ السورة بالأحرف المقطعة: (حا. ميم. عين. سين. قاف).. يليها: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [42:3].. مقرراً وحدة الوحي في الأولين والآخرين.

ثم يستطرد السياق في صفة الله العزيز الحكيم: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [42:4] مقرراً لوحدة المالك لما في السماوات والأرض واستعلاءه وعظمته على وجه الانفراد.

ثم يستطرد استطرداً آخر في وصف حال الكون تجاه حالة الإيمان بالمالك الواحد، وتجاه الشرك الذي يشذ به بعض الناس: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ۝5وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ۝6﴾ [42:5—6].

وبعد هذه الجولة يعود السياق للحقيقة الأولى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [42:7] ثم يستطرد فيقرر أن لو شاء الله لجعلهم أمة واحدة. ولكن مشيئه اقتضت – بما له من علم وحكمة – أن يدخل من يشاء في رحمته ﴿والظالمون مالهم من ولى ولا نصير﴾[42:8] ويقرر أن الله وحده ﴿هو الولى وهو يحي الموتي وهو على كل شيء قدير﴾[42:9].

ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى، حقيقة الوحي والرسالة، فيقرر أن الحكم فيما يختلف فيه البشر من شيء هو الله الذي أنزل هذا القرآن ليرجع إليه الناس في كل اختلاف: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله﴾[42:10].

ويستطرد مع الربوبية إلى وحدانية الخالق، وتفرد ذاته. ووحدانية التصرف في مقادير السماوات والأرض، وفي بسط الرزق وقبضه، وفي علمه بكل شيء: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ۝11لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ۝12﴾ [42:11—12].

ثم يعود إلى الحقيقة الأولى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً﴾[42:13]. وعلى هذا النسق تمضي السورة في عرض هذه الحقيقة، محوطة بهذا الجو، وهذه الاستطردات المتعلقة بقضايا العقيدة الأخرى، والقارئ يلتقى بعد كل بضع آيات بحقيقة الوحى والرسالة في جانب من جوانبها.

أما الدرس الثاني ويؤلف بقية السورة فيبدأ باستعراض بعض آيات الله في بسط الرزق وقبضه، وفي تنزيل الغيث برحمته، وفي خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة، وفي الفلك الجواري في البحر كالأعلام، ويستطرد من هذه الآيات إلى صفة المؤمنين التي تفردهم وتميز جماعتهم، فإلى مشهد من مشاهد يوم القيامة يعرض صورة الظالمين لما رؤوا العذاب: ﴿يقولون هل إلى مرد من سبيل﴾[42:44]، ﴿وقال الذين آمنوا: إن الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ واهليهم يوم القيامة﴾[42:45].

ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى في السورة، حقيقة الوحي والرسالة في جانب من جوانبها: ﴿فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ﴾[42:48].

ويمضي سياق السورة حتى ختامها يدور حول هذا المحور مباشرة أوغير مباشرة مع طابع الاستطراد بين كل إشارة وإشارة إلى تلك الحقيقة حتي يكون ختام السورة بهذا البيان: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [42:51].

ومن وراء هذا التركيز على حقيقة الوحى والرسالة في سياق السورة كله يبرز هدف خاص لعرضها على هذا النحو وفي هذا التتابع هذا الهدف هو تعين القيادة الجديدة للمبشرين ممثله في الرسالة الأخيرة، ورسولها، والأمة المسلمة التي تتبع نهجه الإلهي الثابت القويم

وتبدأ أول إشارة في مطلع السورة: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [42:3] لتقرر أن الله هو الموحي بجميع الرسالات لجميع الرسل، وأن الرسالة هي امتداد لأمر مطرد من قديم وتأتي الإشارة الثانية بعد قليل: ﴿وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها﴾[42:7]... لتقرر مركز القيادة الجديدة التي سترد إليها الإشارة فيما بعد.

وفي الإشارة الثالثة يقرر وحدة الرسالة بعد ما قرر في الرسالة الأولى وحدة المصدر: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً﴾[42:13].

وتستطرد هذه الإشارة إلى التقرير أن التفرق قد وقع. ولم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم. وقع بقياً وظلماً وحسداً: ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم﴾[42:14].

ثم تستطرد كذلك إلى بيان حال الذين جاءوا من بعد أولئك الذين اختلفوا: ﴿وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾[42:14]. وعند هذا الحد يتبين أن البشرية قد آلت إلى فوضى وارتياب، ولم تعد لها قيادة راشدة تقوم على نهج ثابت قويم.. فرسالة السماء التي تقود البشرية قد آلت إلى اختلاف بين أتباعها. والذين جاءوا من بعدهم تلقوها في ريبة وشك لا تستقيم معها قيادة راشدة.

ومن ثم يعلن انتداب الرسالة الأخيرة وحاملها – صلى الله عليه وسلم – لهذه القيادة: ﴿فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم﴾[42:15] ومن ثم تجيء صفة الجماعة المميزة لها طبيعة في سياق هذه السورة بوصفها الجماعة التي ستقوم على قيادة هذه البشرية على ذلك النهج الثابت القويم.

وعلى ضوء هذه الحقيقة يصبح سياق السورة وموضوعها الرئيسي والموضوعات الأخرى فيه واضحة القصد والاتجاه. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

سورة الشورى سورة مكية إلا الآيات 23 حتى 27 فهي مدنية، السورة من المثاني، آياتها 53، وترتيبها في المصحف 42، في الجزء الخامس والعشرين، بدأت بحروف مقطعة، وهي من مجموعة سور "الحواميم" التي تبدأ Ra bracket.png حم Aya-1.png La bracket.png، نزلت بعد سورة فصلت.

أسباب النزول
أسباب نزول الآية (23): قال قتادة: قال المشركون: لعل محمدا فيما يتعاطاه يطلب أجرا. فنزلت الآية حثا على مودته ومودة أقربائه.
أسباب نزول الآية (27) : ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده﴾[42:27] نزلت في أهل الصفة تمنوا الغنى وسعة الرزق، قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الآية، وذلك أننا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير فتمنيناها. رواه الحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان.
أسباب نزول الآية (51) : قال القرطبي: سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي ﷺ هلا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فقال النبي: إن موسى لم ينظر إليه. فنزلت الآية.
ما تتضمنه السورة
هذه السورة تعالج قضية العقيدة كسائر السور المكية، ولكنها تركز بصفة خاصة على حقيقة الوحي والرسالة، حتى ليصح أن يقال إنها المحور الرئيسي الذي ترتبط به السورة كلها، وتأتي سائر الموضوعات فيها تبعاً لتلك الحقيقة الرئيسية فيها.

ومع أن السورة تتوسع بالحديث عن حقيقة الوحدانية، وتعرضها من جوانب متعددة، كما أنها تتحدث عن حقيقة القيامة والإيمان بها، ويأتي ذكر الآخرة في مواضع متعددة منها. كذلك تتناول عرض صفات المؤمنين وأخلاقهم التي يمتازون بها. كما تلم بقضية الرزق: بسطه وقبضه، وصفة الإنسان في السراء والضراء.

ولكن حقيقة الوحي والرسالة تظل الحقيقة البارزة في محيط السورة وكأن سائر الموضوعات الأخرى مسوقة لتقوية تلك الحقيقة الأولى وتوكيدها.

ويسير سياق السورة في عرض تلك الحقيقة، وما يصاحبها من موضوعات أخرى بطريقة تدعو إلى مزيد من التدبر والملاحظة. فهي تعرض من جوانب متعددة. يفترق بعضها عن بعض ببضع آيات تتحدث عن وحدانية الخالق. أو وحدانية الرازق. أو وحدانية المتصرف بالقلوب. أو وحدانية المتصرف بالمصير...ذلك بينما يتجه الحديث عن حقيقة الوحي والرسالة إلى تقرير وحدانية الموحي – سبحانه – ووحدة الوحي.ووحدة العقيدة. ووحدة المنهج والطريق. وأخيراً وحدة القيادة البشرية في ظل العقيدة.

ومن ثم يرتسم في النفس خط الوحدانية بارزاً واضحاً، بشتى معانيه وشتى ظلاله وشتى إيحاءته، من وراء موضوعات السورة جميعاً

تبدأ السورة بالأحرف المقطعة: (حا. ميم. عين. سين. قاف).. يليها: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [42:3].. مقرراً وحدة الوحي في الأولين والآخرين.

ثم يستطرد السياق في صفة الله العزيز الحكيم: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [42:4] مقرراً لوحدة المالك لما في السماوات والأرض واستعلاءه وعظمته على وجه الانفراد.

ثم يستطرد استطرداً آخر في وصف حال الكون تجاه حالة الإيمان بالمالك الواحد، وتجاه الشرك الذي يشذ به بعض الناس: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ۝5وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ۝6﴾ [42:5—6].

وبعد هذه الجولة يعود السياق للحقيقة الأولى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [42:7] ثم يستطرد فيقرر أن لو شاء الله لجعلهم أمة واحدة. ولكن مشيئه اقتضت – بما له من علم وحكمة – أن يدخل من يشاء في رحمته ﴿والظالمون مالهم من ولى ولا نصير﴾[42:8] ويقرر أن الله وحده ﴿هو الولى وهو يحي الموتي وهو على كل شيء قدير﴾[42:9].

ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى، حقيقة الوحي والرسالة، فيقرر أن الحكم فيما يختلف فيه البشر من شيء هو الله الذي أنزل هذا القرآن ليرجع إليه الناس في كل اختلاف: ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله﴾[42:10].

ويستطرد مع الربوبية إلى وحدانية الخالق، وتفرد ذاته. ووحدانية التصرف في مقادير السماوات والأرض، وفي بسط الرزق وقبضه، وفي علمه بكل شيء: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ۝11لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ۝12﴾ [42:11—12].

ثم يعود إلى الحقيقة الأولى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً﴾[42:13]. وعلى هذا النسق تمضي السورة في عرض هذه الحقيقة، محوطة بهذا الجو، وهذه الاستطردات المتعلقة بقضايا العقيدة الأخرى، والقارئ يلتقى بعد كل بضع آيات بحقيقة الوحى والرسالة في جانب من جوانبها.

أما الدرس الثاني ويؤلف بقية السورة فيبدأ باستعراض بعض آيات الله في بسط الرزق وقبضه، وفي تنزيل الغيث برحمته، وفي خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة، وفي الفلك الجواري في البحر كالأعلام، ويستطرد من هذه الآيات إلى صفة المؤمنين التي تفردهم وتميز جماعتهم، فإلى مشهد من مشاهد يوم القيامة يعرض صورة الظالمين لما رؤوا العذاب: ﴿يقولون هل إلى مرد من سبيل﴾[42:44]، ﴿وقال الذين آمنوا: إن الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ واهليهم يوم القيامة﴾[42:45].

ومن ثم يعود إلى الحقيقة الأولى في السورة، حقيقة الوحي والرسالة في جانب من جوانبها: ﴿فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ﴾[42:48].

ويمضي سياق السورة حتى ختامها يدور حول هذا المحور مباشرة أوغير مباشرة مع طابع الاستطراد بين كل إشارة وإشارة إلى تلك الحقيقة حتي يكون ختام السورة بهذا البيان: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [42:51].

ومن وراء هذا التركيز على حقيقة الوحى والرسالة في سياق السورة كله يبرز هدف خاص لعرضها على هذا النحو وفي هذا التتابع هذا الهدف هو تعين القيادة الجديدة للمبشرين ممثله في الرسالة الأخيرة، ورسولها، والأمة المسلمة التي تتبع نهجه الإلهي الثابت القويم

وتبدأ أول إشارة في مطلع السورة: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [42:3] لتقرر أن الله هو الموحي بجميع الرسالات لجميع الرسل، وأن الرسالة هي امتداد لأمر مطرد من قديم وتأتي الإشارة الثانية بعد قليل: ﴿وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها﴾[42:7]... لتقرر مركز القيادة الجديدة التي سترد إليها الإشارة فيما بعد.

وفي الإشارة الثالثة يقرر وحدة الرسالة بعد ما قرر في الرسالة الأولى وحدة المصدر: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً﴾[42:13].

وتستطرد هذه الإشارة إلى التقرير أن التفرق قد وقع. ولم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم. وقع بقياً وظلماً وحسداً: ﴿وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم﴾[42:14].

ثم تستطرد كذلك إلى بيان حال الذين جاءوا من بعد أولئك الذين اختلفوا: ﴿وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾[42:14]. وعند هذا الحد يتبين أن البشرية قد آلت إلى فوضى وارتياب، ولم تعد لها قيادة راشدة تقوم على نهج ثابت قويم.. فرسالة السماء التي تقود البشرية قد آلت إلى اختلاف بين أتباعها. والذين جاءوا من بعدهم تلقوها في ريبة وشك لا تستقيم معها قيادة راشدة.

ومن ثم يعلن انتداب الرسالة الأخيرة وحاملها – صلى الله عليه وسلم – لهذه القيادة: ﴿فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم﴾[42:15] ومن ثم تجيء صفة الجماعة المميزة لها طبيعة في سياق هذه السورة بوصفها الجماعة التي ستقوم على قيادة هذه البشرية على ذلك النهج الثابت القويم.

وعلى ضوء هذه الحقيقة يصبح سياق السورة وموضوعها الرئيسي والموضوعات الأخرى فيه واضحة القصد والاتجاه.



سنة النشر : 2016م / 1437هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 8.5 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة تفسير القرآن الكريم سورة الشورى

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل تفسير القرآن الكريم سورة الشورى
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
محمد بن صالح العثيمين - Mohammad ibn Saaleh Elothmanyen

كتب محمد بن صالح العثيمين محمد بن صالح العثيمين ، هو أبو عَبد الله مُحَمّد بن صَالِح بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمن العُثَيْمِين الوهيبي التميمي (29 مارس 1929 - 11 يناير 2001).  ولد في ليلة 27 رمضان عام 1347 هـ، في عنيزة إحدى مدن القصيم. قرأ القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ؛ فحفظه ثم اتجه إلى طلب العلم وتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ شرح رياض الصالحين (ابن عثيمين) ❝ ❞ شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ❝ ❞ شرح الآجرومية ❝ ❞ عقيدة أهل السنة والجماعة ❝ ❞ شرح كتاب السياسة الشرعية ❝ ❞ مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / المجلد الأول : العقيدة ❝ ❞ القول المفيد على كتاب التوحيد ❝ ❞ شرح صحيح البخاري ❝ ❞ EHL-İ SÜNNRT VEL-CEMAAT AKÎDESİ - عقيدة أهل السنة والجماعة (تركي) ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ مكتبة الملك فهد الوطنية ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن الجوزي ❝ ❞ دار طيبة للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة الرشد ❝ ❞ المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار العاصمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الوطن للطباعة والنشر والعلاقات العامة ❝ ❞ مدار الوطن للنشر ❝ ❞ مكتبة الصحابة ❝ ❞ مكتب الدعوة بالربوة ❝ ❞ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار أضواء السلف ❝ ❞ دار ابن القيم ❝ ❞ الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ❝ ❞ مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية ❝ ❞ دار الثريا للنشر ❝ ❞ مكتبة السنة ❝ ❞ دار الوطن ❝ ❞ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ❝ ❞ دار الغد الجديد ❝ ❞ دار طويق للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار البصيرة ❝ ❞ دار السنة ❝ ❞ مكتبة التوعية الإسلامية ❝ ❞ دار عباد الرحمن ❝ ❞ مكتبة الأمة ❝ ❞ مؤسسة الشيخ محمد ابن صالح العثيمين ❝ ❞ الإسلام 2012 ❝ ❞ دار ابن الهيثم ❝ ❞ دار الدرة للنشر و التوزيع ❝ ❞ دار الشريعة ❝ ❱. المزيد..

كتب محمد بن صالح العثيمين
الناشر:
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
كتب مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيريةمؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية : مؤسسة تهدف إلى العناية والاهتمام بالتراث العلمي للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - مع مواصلة الأعمال التي كان يقوم بها في مختلف ميادين الخير والبر والإحسان ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ رسالة الحجاب ❝ ❞ مختارات من اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ❝ ❞ مختارات من زاد المعاد في هدي خير العباد ❝ ❞ شرح البلاغة من قواعد اللغة العربية ❝ ❞ تفسير القرآن الكريم - سورة لقمان ❝ ❞ تفسير القرآن الكريم سورة العنكبوت ❝ ❞ تفسير القرآن الكريم - سورة القصص ❝ ❞ تفسير القرآن الكريم - سورة السجدة ❝ ❞ تفسير القرآن الكريم - سورة الروم ❝ ❞ فتاوى الكتب على الدرب للشيخ ابن عثيمين ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمد بن صالح العثيمين ❝ ❞ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ❝ ❱.المزيد.. كتب مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية