كتاب في بطن الحوتكتب إسلامية

كتاب في بطن الحوت

(وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) (الأنبياء:87) لم يخبرنا القرآن كم لبث يونس يدعو قومه حتى يأس منهم وتركهم، ولكنه لا يليق بنبي له عزم أن ييأس من قومه بعد يوم أو يومين أو حتى بعد عام أو عامين، أظن أنه ظل يدعوهم فترة تليق بعزم نبي من الأنبياء، ولكنه في نهاية الأمر يأس وغضب وذهب، ولكن من أين له بهذا الغضب، ينشأ الغضب من فشل التواصل بين البشر، فالمتكلم لا يستطيع أن يوصِّل المعنى المراد إلى المستمع إما لخلل في الرسالة أو لخلل عند المستمع، فيفعل المستمع بعكس مراد المتكلم ويخلف توقعاته. غضب يونس لأن رسالته لم تجد صداها المرجو عند قومه، وتعالى اللَّه أن يكون لخلل في الرسالة، ولكنه غضب لأنه توقع أن يؤمن الناس به وبرسالته، وما كان له أن يتوقع مثل هذا الأمر فما هو إلا رسول وما عليه إلا البلاغ أما التصديق فهو من أمر الله، هكذا غضب يونس على قومه وكأنه هو صاحب الرسالة لا مُبلِّغها، وكأنه توقع أن يؤمن الناس به كما يجب أن يؤمنوا برسالته. (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (الصافات:139،140) هكذا وصف القرآن الكريم فِعْل يونس بالإباق، فيونس هو عبدٌ لله وعلاقة العبدية تقتضي انتظار الأمر من السَّيد، فرحيل النبي عن قريته هو إيذان من الله بوقوع اللعنة والهلاك عليها بعدما كذَّب أهلها النبي وأمره الله بالخروج، أما رحيل يونس فكان دون أمر من الله وكأنه توقع الهلاك لقومه بعدما كذَّبوه وكأنه نسيان منه أن طبيعة علاقته بربه علاقة عبدية؛ علاقة استسلام وصبر لحكم الله(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (القلم:48). (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (الصافات:141،142) ركب يونس الفلك المشحون راحلاً عن قومه دون وجهة محددة، فإذا بأحمال السفينة تثقلها فتكاد أن تغرق في موج البحر المتلاطم وظلماته، فاسْتَهَمَ القوم على من يقفز من السفينة لعل البقية تنجو، فوقعت القرعة على يونس فقفز إلى البحر فالتقمه الحوت، وبطن الحوت لو تصورنا أنفسنا فيه مكان ضاغط خانق مظلم ، داخل كائن يسبح في عمق بحر مظلم، مضغوط بجسم الحوت ومعمي بالظلام المركَّب فلا يدري أفي نهار هو أم في ليل، ينتقل دون إرادة منه في المجهول فلا يعلم عمقه ولا مكانه، يقضي وقته في اللازمان ويتحرك في اللامكان (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء : 87)، فكانت رحلته هذه في ظلام اللامكان واللازمان، وحواسه جميعها تكاد تكون معطلة، بمثابه تنبيهه إلى النور الحق وإلى مكان دعوته الحق، فكان الظلام إيذاناً بتغيير منظوره الخاطئ القديم إلى مهمته الحقة التي كلفه الله بها فما رعاها حق رعايتها إلى أن أُدخِل في بطن الحوت، لم ينتبه إذن لما كان به من سعة في دنياه إلا في ضيق بطن الحوت، وأن صدره هو الذي ضاق بقومه فتركهم. (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات: 143،144) أتساءل لم اختار الله يوم البعث كموعد لخروج يونس من بطن الحوت لو أنه لم يكن من المسبحين، ولم تكن فترة بقاءه هي فترة حياة جسده البشري في بطن الحوت؟، هل كان المقصد من الخروج من بطن الحوت أصلاً الخروج الجسدي أم الخروج المعنوي الفكري؟ تلك الفكرة التي لم تخرج إلا بدخول يونس إلى بطن الحوت، وتلك الرسالة التي لم تكتمل إلا بالمكوث في الظلمات؟ وكأنه لو لم يكن من المسبحين لبقي ذكره ولطمست رسالته في بطن الحوت إلى يوم القيامة لا يعلم بهم أحد! (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) (الصافات: 145،146)، هكذا يخرجه الله من بطن الحوت إلى الساحل بعد أن يتذكر مهمته ورسالته، بعد أن يتذكَّر عبوديته لله عز وجل، فيخرج وقد تآكل جلده وشعره من حاله في بطن الحوت، فينبت الله عليه شجرة من نبات زاحف تغطي جسده السقيم العاري وتقيه ضياء الشمس حتى يستعيد عافيته، فهكذا تتداركه رحمة الله فيبقى مستلقياً تحت هذه الشجرة زمناً حتى يعيد جسده بناء نفسه، كما يعيد عقله بناء أفكاره بعد تلك الصدمة التي ألمَّت به، فيعود إلى قومه ويستكمل رسالته، فكما أن جسده السقيم احتاج إلى وقت كي يتعافى ويواجه ضياء الشمس، فإن روحه أيضاً كانت في حاجة إلى مثل ذلك الوقت كي تتعافي وتتحمل مسؤوليتها تجاه الحق مرة أخرى. التسبيح في اللغة هو التنزيه وهو أيضاً يعني السرعة والخفة في الطاعة، ويعني الصلاة أيضاً، وعبادة التسبيح هي العبادة الوحيدة التي يؤديها جميع الخلائق من الحيوانات والنبات والجماد، ومن البشر مؤمنهم وكافرهم، فتلك العبادة لا يؤديها اللسان فقط بالذكر ولكن تؤديها الجوارح بالعمل وفق ما أراد لها الله، وتؤديها الجمادات بالسير وفق السنن التي سنَّها الله لها (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) (الاسراء :44). ومثله ما جاء في قصة أصحاب الجنة الذين منعوا إخراج صدقة حصاد جنتهم كما كان يفعل أباهم فعاقبهم الله بهلاك جنتهم، فلما رأوها وقد هلكت ذكرهم أوسطهم بظلمهم فقال: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ*قالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، فالتسبيح عموما هو السير والحركة وفق مقتضى مراد الله في الخلائق، لذا يختلف التسبيح ويتنوع بين البشر مؤمنهم وكافرهم، وبين الجمادات وفق السنن التي وضعها الله فيها، وحينما ترك يونس مهمته وعزَّت عليه نفسه فغضب وهجر قومه فقد كفَّ عن تسبيحه الذي تعبده الله به ووضعه فيه، وحينما ابتلاه الله بظلمة الحوت تذكر تسبيحه لله وتذكر ظلمه لنفسه بهجره لواجبه الذي استرعاه الله فيه، فيقدم يونس في دعائه التسبيح دليلاً على تذكره المهمة ثم يتبعه بالاعتراف بظلمه لنفسه ولقومه بغضبه منهم وهجره لهم في دعائه في الظلمات ( أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87). فما بالنا نحن ويونس نبيه اصطفاه الله على العالمين في زمنه وليس بيننا أحد مصطفى، وما بالنا نحن ويونس كان من المسبحين وليس فينا من أحد يُسبِّح تسبيح يونس، وما بالنا نحن أن ندرك أننا في ظلمات بطن حوت ليس كحوت يونس وليس فينا من لديه بصيرة نبي، بل ونُصِرُّ على ما في أنفسنا فنبقى وتبقى تصوراتنا حبيسة ظلمات بطن الحوت إلى يوم يبعثون، ثم ننبذ بعد ذلك مذمومين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لولا أن نكون من المسبحين! الكتابٌ اشتمل على العديد من القصص المؤثِّرة لرفع الهِمَم وإعلائها، ولنبذ الذنوب وتركها، واجتناب المعاصي وهجرانها، والقدوم على الله سبحانه وتعالى بقلوبٍ سليمة، لنَيْل ما عند الله من حسناتٍ ودرجات.
محمد عبدالرحمن العريفي - محمد بن عبد الرحمن العريفي الجبري الخالدي (16 يوليو 1970 -) داعية إسلامي سعودي، وأستاذ مساعد في كلية المعلمين بجامعة الملك سعود. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ نهاية العالم ❝ ❞ استمتع بحياتك ❝ ❞ الحملات الصليبية ❝ ❞ موقف ابن تيمية من الصوفية ❝ ❞ زبدة الفوائد من كتب ابن تيمية ❝ ❞ صرخة في مطعم الجامعة ❝ ❞ فنون التعامل في ظل السيرة النبوية ❝ ❞ الروائع ❝ ❞ إنها ملكة ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن كثير ❝ ❞ دار المنهاج للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار التدمرية للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار وجوه للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار العقيدة ❝ ❞ دار الحميد ❝ ❞ مكتبة سلسبيل ❝ ❞ مجلة الهجرة ❝ ❱
من إسلامية متنوعة كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) (الأنبياء:87) لم يخبرنا القرآن كم لبث يونس يدعو قومه حتى يأس منهم وتركهم، ولكنه لا يليق بنبي له عزم أن ييأس من قومه بعد يوم أو يومين أو حتى بعد عام أو عامين، أظن أنه ظل يدعوهم فترة تليق بعزم نبي من الأنبياء، ولكنه في نهاية الأمر يأس وغضب وذهب، ولكن من أين له بهذا الغضب، ينشأ الغضب من فشل التواصل بين البشر، فالمتكلم لا يستطيع أن يوصِّل المعنى المراد إلى المستمع إما لخلل في الرسالة أو لخلل عند المستمع، فيفعل المستمع بعكس مراد المتكلم ويخلف توقعاته.

غضب يونس لأن رسالته لم تجد صداها المرجو عند قومه، وتعالى اللَّه أن يكون لخلل في الرسالة، ولكنه غضب لأنه توقع أن يؤمن الناس به وبرسالته، وما كان له أن يتوقع مثل هذا الأمر فما هو إلا رسول وما عليه إلا البلاغ أما التصديق فهو من أمر الله، هكذا غضب يونس على قومه وكأنه هو صاحب الرسالة لا مُبلِّغها، وكأنه توقع أن يؤمن الناس به كما يجب أن يؤمنوا برسالته.

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (الصافات:139،140) هكذا وصف القرآن الكريم فِعْل يونس بالإباق، فيونس هو عبدٌ لله وعلاقة العبدية تقتضي انتظار الأمر من السَّيد، فرحيل النبي عن قريته هو إيذان من الله بوقوع اللعنة والهلاك عليها بعدما كذَّب أهلها النبي وأمره الله بالخروج، أما رحيل يونس فكان دون أمر من الله وكأنه توقع الهلاك لقومه بعدما كذَّبوه وكأنه نسيان منه أن طبيعة علاقته بربه علاقة عبدية؛ علاقة استسلام وصبر لحكم الله(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (القلم:48).

(فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (الصافات:141،142) ركب يونس الفلك المشحون راحلاً عن قومه دون وجهة محددة، فإذا بأحمال السفينة تثقلها فتكاد أن تغرق في موج البحر المتلاطم وظلماته، فاسْتَهَمَ القوم على من يقفز من السفينة لعل البقية تنجو، فوقعت القرعة على يونس فقفز إلى البحر فالتقمه الحوت، وبطن الحوت لو تصورنا أنفسنا فيه مكان ضاغط خانق مظلم ، داخل كائن يسبح في عمق بحر مظلم، مضغوط بجسم الحوت ومعمي بالظلام المركَّب فلا يدري أفي نهار هو أم في ليل، ينتقل دون إرادة منه في المجهول فلا يعلم عمقه ولا مكانه، يقضي وقته في اللازمان ويتحرك في اللامكان (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء : 87)، فكانت رحلته هذه في ظلام اللامكان واللازمان، وحواسه جميعها تكاد تكون معطلة، بمثابه تنبيهه إلى النور الحق وإلى مكان دعوته الحق، فكان الظلام إيذاناً بتغيير منظوره الخاطئ القديم إلى مهمته الحقة التي كلفه الله بها فما رعاها حق رعايتها إلى أن أُدخِل في بطن الحوت، لم ينتبه إذن لما كان به من سعة في دنياه إلا في ضيق بطن الحوت، وأن صدره هو الذي ضاق بقومه فتركهم.

(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات: 143،144) أتساءل لم اختار الله يوم البعث كموعد لخروج يونس من بطن الحوت لو أنه لم يكن من المسبحين، ولم تكن فترة بقاءه هي فترة حياة جسده البشري في بطن الحوت؟، هل كان المقصد من الخروج من بطن الحوت أصلاً الخروج الجسدي أم الخروج المعنوي الفكري؟ تلك الفكرة التي لم تخرج إلا بدخول يونس إلى بطن الحوت، وتلك الرسالة التي لم تكتمل إلا بالمكوث في الظلمات؟ وكأنه لو لم يكن من المسبحين لبقي ذكره ولطمست رسالته في بطن الحوت إلى يوم القيامة لا يعلم بهم أحد!

(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) (الصافات: 145،146)، هكذا يخرجه الله من بطن الحوت إلى الساحل بعد أن يتذكر مهمته ورسالته، بعد أن يتذكَّر عبوديته لله عز وجل، فيخرج وقد تآكل جلده وشعره من حاله في بطن الحوت، فينبت الله عليه شجرة من نبات زاحف تغطي جسده السقيم العاري وتقيه ضياء الشمس حتى يستعيد عافيته، فهكذا تتداركه رحمة الله فيبقى مستلقياً تحت هذه الشجرة زمناً حتى يعيد جسده بناء نفسه، كما يعيد عقله بناء أفكاره بعد تلك الصدمة التي ألمَّت به، فيعود إلى قومه ويستكمل رسالته، فكما أن جسده السقيم احتاج إلى وقت كي يتعافى ويواجه ضياء الشمس، فإن روحه أيضاً كانت في حاجة إلى مثل ذلك الوقت كي تتعافي وتتحمل مسؤوليتها تجاه الحق مرة أخرى.

التسبيح في اللغة هو التنزيه وهو أيضاً يعني السرعة والخفة في الطاعة، ويعني الصلاة أيضاً، وعبادة التسبيح هي العبادة الوحيدة التي يؤديها جميع الخلائق من الحيوانات والنبات والجماد، ومن البشر مؤمنهم وكافرهم، فتلك العبادة لا يؤديها اللسان فقط بالذكر ولكن تؤديها الجوارح بالعمل وفق ما أراد لها الله، وتؤديها الجمادات بالسير وفق السنن التي سنَّها الله لها (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) (الاسراء :44).

ومثله ما جاء في قصة أصحاب الجنة الذين منعوا إخراج صدقة حصاد جنتهم كما كان يفعل أباهم فعاقبهم الله بهلاك جنتهم، فلما رأوها وقد هلكت ذكرهم أوسطهم بظلمهم فقال: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ*قالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، فالتسبيح عموما هو السير والحركة وفق مقتضى مراد الله في الخلائق، لذا يختلف التسبيح ويتنوع بين البشر مؤمنهم وكافرهم، وبين الجمادات وفق السنن التي وضعها الله فيها، وحينما ترك يونس مهمته وعزَّت عليه نفسه فغضب وهجر قومه فقد كفَّ عن تسبيحه الذي تعبده الله به ووضعه فيه، وحينما ابتلاه الله بظلمة الحوت تذكر تسبيحه لله وتذكر ظلمه لنفسه بهجره لواجبه الذي استرعاه الله فيه، فيقدم يونس في دعائه التسبيح دليلاً على تذكره المهمة ثم يتبعه بالاعتراف بظلمه لنفسه ولقومه بغضبه منهم وهجره لهم في دعائه في الظلمات ( أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87).

فما بالنا نحن ويونس نبيه اصطفاه الله على العالمين في زمنه وليس بيننا أحد مصطفى، وما بالنا نحن ويونس كان من المسبحين وليس فينا من أحد يُسبِّح تسبيح يونس، وما بالنا نحن أن ندرك أننا في ظلمات بطن حوت ليس كحوت يونس وليس فينا من لديه بصيرة نبي، بل ونُصِرُّ على ما في أنفسنا فنبقى وتبقى تصوراتنا حبيسة ظلمات بطن الحوت إلى يوم يبعثون، ثم ننبذ بعد ذلك مذمومين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لولا أن نكون من المسبحين!

الكتابٌ اشتمل على العديد من القصص المؤثِّرة لرفع الهِمَم وإعلائها، ولنبذ الذنوب وتركها، واجتناب المعاصي وهجرانها، والقدوم على الله سبحانه وتعالى بقلوبٍ سليمة، لنَيْل ما عند الله من حسناتٍ ودرجات.


للكاتب/المؤلف : محمد عبدالرحمن العريفي .
دار النشر : دار الحميد .
سنة النشر : 2003م / 1424هـ .
عدد مرات التحميل : 8088 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الثلاثاء , 12 مارس 2019م.
حجم الكتاب عند التحميل : 5 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

(وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ) (الأنبياء:87) لم يخبرنا القرآن كم لبث يونس يدعو قومه حتى يأس منهم وتركهم، ولكنه لا يليق بنبي له عزم أن ييأس من قومه بعد يوم أو يومين أو حتى بعد عام أو عامين، أظن أنه ظل يدعوهم فترة تليق بعزم نبي من الأنبياء، ولكنه في نهاية الأمر يأس وغضب وذهب، ولكن من أين له بهذا الغضب، ينشأ الغضب من فشل التواصل بين البشر، فالمتكلم لا يستطيع أن يوصِّل المعنى المراد إلى المستمع إما لخلل في الرسالة أو لخلل عند المستمع، فيفعل المستمع بعكس مراد المتكلم ويخلف توقعاته.

غضب يونس لأن رسالته لم تجد صداها المرجو عند قومه، وتعالى اللَّه أن يكون لخلل في الرسالة، ولكنه غضب لأنه توقع أن يؤمن الناس به وبرسالته، وما كان له أن يتوقع مثل هذا الأمر فما هو إلا رسول وما عليه إلا البلاغ أما التصديق فهو من أمر الله، هكذا غضب يونس على قومه وكأنه هو صاحب الرسالة لا مُبلِّغها، وكأنه توقع أن يؤمن الناس به كما يجب أن يؤمنوا برسالته.

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (الصافات:139،140) هكذا وصف القرآن الكريم فِعْل يونس بالإباق، فيونس هو عبدٌ لله وعلاقة العبدية تقتضي انتظار الأمر من السَّيد، فرحيل النبي عن قريته هو إيذان من الله بوقوع اللعنة والهلاك عليها بعدما كذَّب أهلها النبي وأمره الله بالخروج، أما رحيل يونس فكان دون أمر من الله وكأنه توقع الهلاك لقومه بعدما كذَّبوه وكأنه نسيان منه أن طبيعة علاقته بربه علاقة عبدية؛ علاقة استسلام وصبر لحكم الله(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (القلم:48).

(فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (الصافات:141،142) ركب يونس الفلك المشحون راحلاً عن قومه دون وجهة محددة، فإذا بأحمال السفينة تثقلها فتكاد أن تغرق في موج البحر المتلاطم وظلماته، فاسْتَهَمَ القوم على من يقفز من السفينة لعل البقية تنجو، فوقعت القرعة على يونس فقفز إلى البحر فالتقمه الحوت، وبطن الحوت لو تصورنا أنفسنا فيه مكان ضاغط خانق مظلم ، داخل كائن يسبح في عمق بحر مظلم، مضغوط بجسم الحوت ومعمي بالظلام المركَّب فلا يدري أفي نهار هو أم في ليل، ينتقل دون إرادة منه في المجهول فلا يعلم عمقه ولا مكانه، يقضي وقته في اللازمان ويتحرك في اللامكان (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء : 87)، فكانت رحلته هذه في ظلام اللامكان واللازمان، وحواسه جميعها تكاد تكون معطلة، بمثابه تنبيهه إلى النور الحق وإلى مكان دعوته الحق، فكان الظلام إيذاناً بتغيير منظوره الخاطئ القديم إلى مهمته الحقة التي كلفه الله بها فما رعاها حق رعايتها إلى أن أُدخِل في بطن الحوت، لم ينتبه إذن لما كان به من سعة في دنياه إلا في ضيق بطن الحوت، وأن صدره هو الذي ضاق بقومه فتركهم.

(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الصافات: 143،144) أتساءل لم اختار الله يوم البعث كموعد لخروج يونس من بطن الحوت لو أنه لم يكن من المسبحين، ولم تكن فترة بقاءه هي فترة حياة جسده البشري في بطن الحوت؟، هل كان المقصد من الخروج من بطن الحوت أصلاً الخروج الجسدي أم الخروج المعنوي الفكري؟ تلك الفكرة التي لم تخرج إلا بدخول يونس إلى بطن الحوت، وتلك الرسالة التي لم تكتمل إلا بالمكوث في الظلمات؟ وكأنه لو لم يكن من المسبحين لبقي ذكره ولطمست رسالته في بطن الحوت إلى يوم القيامة لا يعلم بهم أحد!

(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ) (الصافات: 145،146)، هكذا يخرجه الله من بطن الحوت إلى الساحل بعد أن يتذكر مهمته ورسالته، بعد أن يتذكَّر عبوديته لله عز وجل، فيخرج وقد تآكل جلده وشعره من حاله في بطن الحوت، فينبت الله عليه شجرة من نبات زاحف تغطي جسده السقيم العاري وتقيه ضياء الشمس حتى يستعيد عافيته، فهكذا تتداركه رحمة الله فيبقى مستلقياً تحت هذه الشجرة زمناً حتى يعيد جسده بناء نفسه، كما يعيد عقله بناء أفكاره بعد تلك الصدمة التي ألمَّت به، فيعود إلى قومه ويستكمل رسالته، فكما أن جسده السقيم احتاج إلى وقت كي يتعافى ويواجه ضياء الشمس، فإن روحه أيضاً كانت في حاجة إلى مثل ذلك الوقت كي تتعافي وتتحمل مسؤوليتها تجاه الحق مرة أخرى.

التسبيح في اللغة هو التنزيه وهو أيضاً يعني السرعة والخفة في الطاعة، ويعني الصلاة أيضاً، وعبادة التسبيح هي العبادة الوحيدة التي يؤديها جميع الخلائق من الحيوانات والنبات والجماد، ومن البشر مؤمنهم وكافرهم، فتلك العبادة لا يؤديها اللسان فقط بالذكر ولكن تؤديها الجوارح بالعمل وفق ما أراد لها الله، وتؤديها الجمادات بالسير وفق السنن التي سنَّها الله لها (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) (الاسراء :44).

ومثله ما جاء في قصة أصحاب الجنة الذين منعوا إخراج صدقة حصاد جنتهم كما كان يفعل أباهم فعاقبهم الله بهلاك جنتهم، فلما رأوها وقد هلكت ذكرهم أوسطهم بظلمهم فقال: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ*قالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، فالتسبيح عموما هو السير والحركة وفق مقتضى مراد الله في الخلائق، لذا يختلف التسبيح ويتنوع بين البشر مؤمنهم وكافرهم، وبين الجمادات وفق السنن التي وضعها الله فيها، وحينما ترك يونس مهمته وعزَّت عليه نفسه فغضب وهجر قومه فقد كفَّ عن تسبيحه الذي تعبده الله به ووضعه فيه، وحينما ابتلاه الله بظلمة الحوت تذكر تسبيحه لله وتذكر ظلمه لنفسه بهجره لواجبه الذي استرعاه الله فيه، فيقدم يونس في دعائه التسبيح دليلاً على تذكره المهمة ثم يتبعه بالاعتراف بظلمه لنفسه ولقومه بغضبه منهم وهجره لهم في دعائه في الظلمات ( أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87).

فما بالنا نحن ويونس نبيه اصطفاه الله على العالمين في زمنه وليس بيننا أحد مصطفى، وما بالنا نحن ويونس كان من المسبحين وليس فينا من أحد يُسبِّح تسبيح يونس، وما بالنا نحن أن ندرك أننا في ظلمات بطن حوت ليس كحوت يونس وليس فينا من لديه بصيرة نبي، بل ونُصِرُّ على ما في أنفسنا فنبقى وتبقى تصوراتنا حبيسة ظلمات بطن الحوت إلى يوم يبعثون، ثم ننبذ بعد ذلك مذمومين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لولا أن نكون من المسبحين!

الكتابٌ اشتمل على العديد من القصص المؤثِّرة لرفع الهِمَم وإعلائها، ولنبذ الذنوب وتركها، واجتناب المعاصي وهجرانها، والقدوم على الله سبحانه وتعالى بقلوبٍ سليمة، لنَيْل ما عند الله من حسناتٍ ودرجات. 



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل في بطن الحوت
محمد عبدالرحمن العريفي
محمد عبدالرحمن العريفي
Mohammed Abdulrahman Al Arifi
محمد بن عبد الرحمن العريفي الجبري الخالدي (16 يوليو 1970 -) داعية إسلامي سعودي، وأستاذ مساعد في كلية المعلمين بجامعة الملك سعود. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ نهاية العالم ❝ ❞ استمتع بحياتك ❝ ❞ الحملات الصليبية ❝ ❞ موقف ابن تيمية من الصوفية ❝ ❞ زبدة الفوائد من كتب ابن تيمية ❝ ❞ صرخة في مطعم الجامعة ❝ ❞ فنون التعامل في ظل السيرة النبوية ❝ ❞ الروائع ❝ ❞ إنها ملكة ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن كثير ❝ ❞ دار المنهاج للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار التدمرية للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار وجوه للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار العقيدة ❝ ❞ دار الحميد ❝ ❞ مكتبة سلسبيل ❝ ❞ مجلة الهجرة ❝ ❱.



كتب اخرى في إسلامية متنوعة

توحيد الألوهية PDF

قراءة و تحميل كتاب توحيد الألوهية PDF مجانا

الخيال عالم البرزخ والمثال من كلام كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي PDF

قراءة و تحميل كتاب الخيال عالم البرزخ والمثال من كلام كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي PDF مجانا

التوكل على الله وأثره في حياة المسلم PDF

قراءة و تحميل كتاب التوكل على الله وأثره في حياة المسلم PDF مجانا

بر الوالدين: مفهوم, وفضائل، وآداب, وأحكام في ضوء الكتاب والسنة PDF

قراءة و تحميل كتاب بر الوالدين: مفهوم, وفضائل، وآداب, وأحكام في ضوء الكتاب والسنة PDF مجانا

أقوال وحكم خالدة من أفواه السلف الصالح PDF

قراءة و تحميل كتاب أقوال وحكم خالدة من أفواه السلف الصالح PDF مجانا

فوائد الذكر وثمراته PDF

قراءة و تحميل كتاب فوائد الذكر وثمراته PDF مجانا

الشيطان والإنسان PDF

قراءة و تحميل كتاب الشيطان والإنسان PDF مجانا

شبهات النصارى حول الإسلام PDF

قراءة و تحميل كتاب شبهات النصارى حول الإسلام PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..