❞ كتاب الحكمة في مخلوقات الله ❝  ⏤ أبو حامد الغزالى

❞ كتاب الحكمة في مخلوقات الله ❝ ⏤ أبو حامد الغزالى



كتاب نادر لشيخ الإسلام "أبى حامد الغزالى" وهو كتاب على صغر حجمه يحوى الكثير من الحكم التى يتطلع الإنسان إلى معرفة أسرارها، فقد بحث فيه "الغزالى حكمة خلق الشمس، والقمر، والكواكب، والأرض، والبحار، والماء، والهواء، والنار، والإنسان، والطير، والبهائم، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والذباب، والسمك، والنبات؛ وبيّن فى كل باب ما فيه من عجائب حكمة الله تعالى فى خلقه، وما تستشعر به القلوب من العظمة لعلام الغيوب، فهو كتاب جدير بأن يقتنى ويستفيد منه كل إنسان..

هو دعوة مجددة الى معرفة الله تعالى خالق الكون والانسان عن طريق العقل والتدبر في صنوف مخلوقاته وعلاقتها ببعضها البعض وتوافقها وتكاملها رغم الاختلاف الظاهر في هيئتها ، بداية من السماء والارض والقمر والكواكب والنجوم والجبال والبحار والانهار حتى الانسان محطتة الأخيرة مرورا بالجمادات والنباتات والحيوانات والسمك والطير والبهائم والنحل والنمل والعنكبوت ودود القز والذباب .. ، حتى وصل الى الانسان الذي خلقه الله على صورته ، ومن بداية الكتاب تلحظ ان الغزالي قد لزم الرؤية العلمية واستشهد بها واحتكم اليها اكثر من المنهج القرآني كما لو كان قد كتب كتابه مخاطبا المسلمين وغير المسلمين أو أنه رد على كتابات وآراء أخرى ، وهذا ما تبين في الفصول الاخيرة من الكتاب والتي كانت غنية وثرية أكثر من الفصول الأولى وتستحق المرور والتعليق عليها ، على الرغم من ان مشاهدات الغزالي في عجائب مخلوقات الله تعالى وما حوته من ملاحظات علمية لطيفة في وقت لم تكن العلزم قد تحدثت وتعددت واصبحت أكثر دقة ووضوحا مما هي عليه الآن ، تكلم عن بداية الخلق من العناصر الاربعة فكانت الجمادات ثم النباتات فالحيوانات فالانسان فقال

- فأما الأجسام فهي تستحيل عن العناصر الأربعة فكل ما تحت مقعر فلك القمر مستحيل متغير ، والعناصر يستحيل بعضها إلى بعض وما عدا ذلك فهو جواهر من حوادث أخر ، والنفس من جنس تلك الجواهر لا من العناصر فهي روحانية محضة وهي نفس صغيرة موازية لنفس العالم الكبير.
ثم وصف الانسان فقال

- اعلم " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، وفهمت أن معنى ذلك خلقه خلقة على شبه العالم ، فاعلم أن الإنسان عبارة عن حيوان ناطق مائت منتصب القامة ضحاك ، فهذا حد يتناول نفسه وجسمه لضرورة الفصل بينه وبين الأشخاص الحية وإلا فقولنا حيوان ناطق يتناول نفسه فقط. ثم هذا الحيوان الناطق أعني الإنسان تنقسم جملته في التقسيم الكلي إلى ثلاثة أشياء : نفس وروح وجسم.

- فالجسم هو المؤتلف من المواد والعناصر الحاملة لروحه ونفسه وهو الشكل المنتصب ذو الوجه واليدين والرجلين الضاحك.
- وأما الروح : فهو الجاري في العروق الضوارب والشرايين.

- وأما النفس : فهو الجوهر القائم بنفسه الذي ليس هو في موضع ولا يحل شيئا

- واعلم أن الشهوة والغضب اللتين في البهائم جعلتا أيضا في ابن آدم ، ولكنه أعطي شيئا آخر زيادة عليها للشرف والكمال ، وبذلك تحصل له معرفة الله تعالى ، وجملة عجائب صنعه ، وبه يخلص نفسه من يد الشهوة والغضب وتحصل له صفات الملائكة ، ولذلك يظفر بالسباع والبهائم وتصير كلها مسخرة له

- واعلم أن في جلد ابن آدم أربعة أشياء : الكلب ، والخنزير ، والشيطان ، والملك. والكلب مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في صورته. وكذلك الشيطان والملائكة ذمهم ومدحهم في صفاتهم ، وليس ذلك في صورهم وخلقهم. وكذلك الخنزير مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في خلقته.
- وقد أمر ابن آدم بأن يكشف ظلم الجهل بنور العقل خوفا من الفتنة كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " ما من أحد إلّا وله شيطان ولي شيطان ، وإنّ الله قد أعانني على شيطاني حتّى ملكته" وكذلك الشهوة والغضب ينبغي أن يكونا تحت يد العقل ، فلا يفعلا شيئا إلا بأمره ، فإن فعل ذلك صح له حسن الأخلاق ، وهي صفات الملائكة وهي بذر السعادة ، وإن عمل بخلاف ذلك فخدم الشهوة والغضب صح له الأخلاق القبيحة ، وهي صفات الشياطين وهو بذر الشقاء ، فيتبين له في نومه كأنه قائم مشدود الوسط يخدم الكلب والخنزير ، وكان مثله كمثل رجل مسلم يأخذ رجالا مسلمين يحبسهم عند كافرين. فكيف يكون حالك يوم القيامة إذا حبست الملك وهو العقل تحت يد الشهوة والغضب وهما الكلب والخنزير؟

- واعلم أن الإنسان في صورة ابن آدم اليوم ، وغدا تنكشف له المعاني فتكون الصور في معنى المعاني ؛ فأما الذي غلب عليه الغضب فيقوم في صورة الكلب ، وأما الذي غلب عليه الشهوة فيقوم في صورة الخنزير ؛ لأن الصور تابعة للمعاني ، وإنما يبصر النائم في نومه ما صح في باطنه. وإنما عرفت أن الإنسان في باطنه هذه الأربعة ، فيجب أن يراقب حركاته وسكناته ، ويعرف من أي الأربعة هو ، فإن صفاته تحصل في قلبه وتبقى معه إلى يوم القيامة ، وإن بقي من جملة الباقيات الصالحات شيء فهو بذر السعادة ، وإن بقي معه غير ذلك فهو بذر الشقاء ، وابن آدم لا ينفك ولا ينفصل عن حركة أو سكون ، وقلبه مثل الزجاج. وأخلاق السوء كالدخان والظلمة ، فإذا وصل إليه ذلك أظلم عليه طريق السعادة وأخلاق الحسن كالنور والضوء ، فإذا وصل إلى القلب طهره من ظلم المعاصي كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " أتبع السّيّئة الحسنة تمحها". والقلب إما مضيء أو مظلم ، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم.

هكذا قدم الغزالي نظرية النشوء والارتقاء من المنظور الاسلامي ، أو الديني عموما ، دون ان يبحث في اصل الانواع ويفرد لها دراسات ورحلات على السفينة إيجل ليجمع الحفريات لنظريته ، فكان كما قال ابن سينا " إن ما وصل اليه هذا على ضوء المصباح وصل إليه هذا الأعمى بعكازه " ، ولا يعني الغزالى ولا يعنينا اذا كنا قد خلقنا من خلية استقرت في بطن أمهاتنا قبل تسعة اشهر ، أو قد خلقنا من خلية مشابهة استقرت في بطن الارض قبل أربعة بليون عام ، فلو كان داروين قد نظر الى نشوء الانسان وتطوره وارتقائه من الناحية العلمية المادية البحته ، فالغزالي نظر الى ارتقاء الانسان من الجانب الروحي الذي لايضعه على رأس السلسلة الغذائية وعلى قمة الهرم ، بل ليلتحق بالملأ الاعلى وبالملائكة الكروبيين فيقول الغزالي في موضع آخر ركب الله في الملائكة العقل بلا شهوة، وفي البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوتَه فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوتُه عقلَه، فهو شرٌّ من البهائم. كقوله تعالى " وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ( آل عمران 79) ومن هنا كانت البداية الفعلية لكتاب الغزالي " الحكمة في مخلوقات الله عز وجل " الذي ناقش فيه آراء أصناف الفلاسفة ، وماقاله الدهريون ، والطبيعيون ، والإلهيون ، مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو وأرسطاطاليس ، وناقش ماقالوه في الطبيعيات والمنطقيات والرياضيات والالهيات وفي مسائل بعينها مثل الجنة والنار والحشر والحساب والثواب والعقاب، وقد صنفت اصداراتهم هو وهم ومن لحق بهم من فلاسفة الشرق والغرب ورجال الدين اليهودي والمسيحي والاسلامي جميعا في ما تعارف عليه " سلسلة الخلق العظمى " ناقشها الاستاذ العقاد في كتابه القيم " الانسان في القرآن الكريم " فما هي سلسلة الخلق العظمى..

أبو حامد الغزالى - أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م). كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، وكان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ إذ لم يكن للشافعية في آخر عصره مثلَه.،

وكان على مذهب الأشاعرة في العقيدة، وقد عُرف كأحد مؤسسي المدرسة الأشعرية في علم الكلام، وأحد أصولها الثلاثة بعد أبي الحسن الأشعري،

(وكانوا الباقلاني والجويني والغزّالي). لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته، أشهرها لقب «حجّة الإسلام»، وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين، ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة.


❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ إحياء علوم الدين ❝ ❞ المنقذ من الضلال ❝ ❞ تهافت الفلاسفة ❝ ❞ مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء ❝ ❞ أسرار الحج ❝ ❞ المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ❝ ❞ منهاج العابدين ❝ ❞ المنخول في تعليقات الاصول ❝ ❞ خواص القرآن ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار الكتب العلمية بلبنان ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار زحمة كتاب للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الكرمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الفكر المعاصر ❝ ❞ دار المنهاج للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار البشائر الإسلامية ❝ ❞ دار الآفاق العربية ❝ ❞ دار الاندلس ❝ ❞ دار آفاق للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار أحياء العلوم - بيروت ❝ ❞ دار الأرقم للنشر والتوزيع - الكويت ❝ ❞ دار الميمان ❝ ❞ دار المقتبس للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ المطبعة الأميرية ❝ ❞ مطبعة الإرشاد - بغداد ❝ ❞ دار الكتب العلمية ببغداد ❝ ❞ المطبعة الادبية ❝ ❞ مكتبة القرآن للنشر والتوزيع ❝ ❱
من إسلامية متنوعة كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.


اقتباسات من كتاب الحكمة في مخلوقات الله

نبذة عن الكتاب:
الحكمة في مخلوقات الله

1978م - 1445هـ


كتاب نادر لشيخ الإسلام "أبى حامد الغزالى" وهو كتاب على صغر حجمه يحوى الكثير من الحكم التى يتطلع الإنسان إلى معرفة أسرارها، فقد بحث فيه "الغزالى حكمة خلق الشمس، والقمر، والكواكب، والأرض، والبحار، والماء، والهواء، والنار، والإنسان، والطير، والبهائم، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والذباب، والسمك، والنبات؛ وبيّن فى كل باب ما فيه من عجائب حكمة الله تعالى فى خلقه، وما تستشعر به القلوب من العظمة لعلام الغيوب، فهو كتاب جدير بأن يقتنى ويستفيد منه كل إنسان..

هو دعوة مجددة الى معرفة الله تعالى خالق الكون والانسان عن طريق العقل والتدبر في صنوف مخلوقاته وعلاقتها ببعضها البعض وتوافقها وتكاملها رغم الاختلاف الظاهر في هيئتها ، بداية من السماء والارض والقمر والكواكب والنجوم والجبال والبحار والانهار حتى الانسان محطتة الأخيرة مرورا بالجمادات والنباتات والحيوانات والسمك والطير والبهائم والنحل والنمل والعنكبوت ودود القز والذباب .. ، حتى وصل الى الانسان الذي خلقه الله على صورته ، ومن بداية الكتاب تلحظ ان الغزالي قد لزم الرؤية العلمية واستشهد بها واحتكم اليها اكثر من المنهج القرآني كما لو كان قد كتب كتابه مخاطبا المسلمين وغير المسلمين أو أنه رد على كتابات وآراء أخرى ، وهذا ما تبين في الفصول الاخيرة من الكتاب والتي كانت غنية وثرية أكثر من الفصول الأولى وتستحق المرور والتعليق عليها ، على الرغم من ان مشاهدات الغزالي في عجائب مخلوقات الله تعالى وما حوته من ملاحظات علمية لطيفة في وقت لم تكن العلزم قد تحدثت وتعددت واصبحت أكثر دقة ووضوحا مما هي عليه الآن ، تكلم عن بداية الخلق من العناصر الاربعة فكانت الجمادات ثم النباتات فالحيوانات فالانسان فقال

- فأما الأجسام فهي تستحيل عن العناصر الأربعة فكل ما تحت مقعر فلك القمر مستحيل متغير ، والعناصر يستحيل بعضها إلى بعض وما عدا ذلك فهو جواهر من حوادث أخر ، والنفس من جنس تلك الجواهر لا من العناصر فهي روحانية محضة وهي نفس صغيرة موازية لنفس العالم الكبير.
ثم وصف الانسان فقال

- اعلم " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، وفهمت أن معنى ذلك خلقه خلقة على شبه العالم ، فاعلم أن الإنسان عبارة عن حيوان ناطق مائت منتصب القامة ضحاك ، فهذا حد يتناول نفسه وجسمه لضرورة الفصل بينه وبين الأشخاص الحية وإلا فقولنا حيوان ناطق يتناول نفسه فقط. ثم هذا الحيوان الناطق أعني الإنسان تنقسم جملته في التقسيم الكلي إلى ثلاثة أشياء : نفس وروح وجسم.

- فالجسم هو المؤتلف من المواد والعناصر الحاملة لروحه ونفسه وهو الشكل المنتصب ذو الوجه واليدين والرجلين الضاحك.
- وأما الروح : فهو الجاري في العروق الضوارب والشرايين.

- وأما النفس : فهو الجوهر القائم بنفسه الذي ليس هو في موضع ولا يحل شيئا

- واعلم أن الشهوة والغضب اللتين في البهائم جعلتا أيضا في ابن آدم ، ولكنه أعطي شيئا آخر زيادة عليها للشرف والكمال ، وبذلك تحصل له معرفة الله تعالى ، وجملة عجائب صنعه ، وبه يخلص نفسه من يد الشهوة والغضب وتحصل له صفات الملائكة ، ولذلك يظفر بالسباع والبهائم وتصير كلها مسخرة له

- واعلم أن في جلد ابن آدم أربعة أشياء : الكلب ، والخنزير ، والشيطان ، والملك. والكلب مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في صورته. وكذلك الشيطان والملائكة ذمهم ومدحهم في صفاتهم ، وليس ذلك في صورهم وخلقهم. وكذلك الخنزير مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في خلقته.
- وقد أمر ابن آدم بأن يكشف ظلم الجهل بنور العقل خوفا من الفتنة كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " ما من أحد إلّا وله شيطان ولي شيطان ، وإنّ الله قد أعانني على شيطاني حتّى ملكته" وكذلك الشهوة والغضب ينبغي أن يكونا تحت يد العقل ، فلا يفعلا شيئا إلا بأمره ، فإن فعل ذلك صح له حسن الأخلاق ، وهي صفات الملائكة وهي بذر السعادة ، وإن عمل بخلاف ذلك فخدم الشهوة والغضب صح له الأخلاق القبيحة ، وهي صفات الشياطين وهو بذر الشقاء ، فيتبين له في نومه كأنه قائم مشدود الوسط يخدم الكلب والخنزير ، وكان مثله كمثل رجل مسلم يأخذ رجالا مسلمين يحبسهم عند كافرين. فكيف يكون حالك يوم القيامة إذا حبست الملك وهو العقل تحت يد الشهوة والغضب وهما الكلب والخنزير؟

- واعلم أن الإنسان في صورة ابن آدم اليوم ، وغدا تنكشف له المعاني فتكون الصور في معنى المعاني ؛ فأما الذي غلب عليه الغضب فيقوم في صورة الكلب ، وأما الذي غلب عليه الشهوة فيقوم في صورة الخنزير ؛ لأن الصور تابعة للمعاني ، وإنما يبصر النائم في نومه ما صح في باطنه. وإنما عرفت أن الإنسان في باطنه هذه الأربعة ، فيجب أن يراقب حركاته وسكناته ، ويعرف من أي الأربعة هو ، فإن صفاته تحصل في قلبه وتبقى معه إلى يوم القيامة ، وإن بقي من جملة الباقيات الصالحات شيء فهو بذر السعادة ، وإن بقي معه غير ذلك فهو بذر الشقاء ، وابن آدم لا ينفك ولا ينفصل عن حركة أو سكون ، وقلبه مثل الزجاج. وأخلاق السوء كالدخان والظلمة ، فإذا وصل إليه ذلك أظلم عليه طريق السعادة وأخلاق الحسن كالنور والضوء ، فإذا وصل إلى القلب طهره من ظلم المعاصي كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " أتبع السّيّئة الحسنة تمحها". والقلب إما مضيء أو مظلم ، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم.

هكذا قدم الغزالي نظرية النشوء والارتقاء من المنظور الاسلامي ، أو الديني عموما ، دون ان يبحث في اصل الانواع ويفرد لها دراسات ورحلات على السفينة إيجل ليجمع الحفريات لنظريته ، فكان كما قال ابن سينا " إن ما وصل اليه هذا على ضوء المصباح وصل إليه هذا الأعمى بعكازه " ، ولا يعني الغزالى ولا يعنينا اذا كنا قد خلقنا من خلية استقرت في بطن أمهاتنا قبل تسعة اشهر ، أو قد خلقنا من خلية مشابهة استقرت في بطن الارض قبل أربعة بليون عام ، فلو كان داروين قد نظر الى نشوء الانسان وتطوره وارتقائه من الناحية العلمية المادية البحته ، فالغزالي نظر الى ارتقاء الانسان من الجانب الروحي الذي لايضعه على رأس السلسلة الغذائية وعلى قمة الهرم ، بل ليلتحق بالملأ الاعلى وبالملائكة الكروبيين فيقول الغزالي في موضع آخر ركب الله في الملائكة العقل بلا شهوة، وفي البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوتَه فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوتُه عقلَه، فهو شرٌّ من البهائم. كقوله تعالى " وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ( آل عمران 79) ومن هنا كانت البداية الفعلية لكتاب الغزالي " الحكمة في مخلوقات الله عز وجل " الذي ناقش فيه آراء أصناف الفلاسفة ، وماقاله الدهريون ، والطبيعيون ، والإلهيون ، مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو وأرسطاطاليس ، وناقش ماقالوه في الطبيعيات والمنطقيات والرياضيات والالهيات وفي مسائل بعينها مثل الجنة والنار والحشر والحساب والثواب والعقاب، وقد صنفت اصداراتهم هو وهم ومن لحق بهم من فلاسفة الشرق والغرب ورجال الدين اليهودي والمسيحي والاسلامي جميعا في ما تعارف عليه " سلسلة الخلق العظمى " ناقشها الاستاذ العقاد في كتابه القيم " الانسان في القرآن الكريم " فما هي سلسلة الخلق العظمى..


.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

كتاب نادر لشيخ الإسلام "أبى حامد الغزالى" وهو كتاب على صغر حجمه يحوى الكثير من الحكم التى يتطلع الإنسان إلى معرفة أسرارها، فقد بحث فيه "الغزالى حكمة خلق الشمس، والقمر، والكواكب، والأرض، والبحار، والماء، والهواء، والنار، والإنسان، والطير، والبهائم، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والذباب، والسمك، والنبات؛ وبيّن فى كل باب ما فيه من عجائب حكمة الله تعالى فى خلقه، وما تستشعر به القلوب من العظمة لعلام الغيوب، فهو كتاب جدير بأن يقتنى ويستفيد منه كل إنسان.. 

هو دعوة مجددة الى معرفة الله تعالى خالق الكون والانسان عن طريق العقل والتدبر في صنوف مخلوقاته وعلاقتها ببعضها البعض وتوافقها وتكاملها رغم الاختلاف الظاهر في هيئتها ، بداية من السماء والارض والقمر والكواكب والنجوم والجبال والبحار والانهار حتى الانسان محطتة الأخيرة مرورا بالجمادات والنباتات والحيوانات والسمك والطير والبهائم والنحل والنمل والعنكبوت ودود القز والذباب .. ، حتى وصل الى الانسان الذي خلقه الله على صورته ، ومن بداية الكتاب تلحظ ان الغزالي قد لزم الرؤية العلمية واستشهد بها واحتكم اليها اكثر من المنهج القرآني كما لو كان قد كتب كتابه مخاطبا المسلمين وغير المسلمين أو أنه رد على كتابات وآراء أخرى ، وهذا ما تبين في الفصول الاخيرة من الكتاب والتي كانت غنية وثرية أكثر من الفصول الأولى وتستحق المرور والتعليق عليها ، على الرغم من ان مشاهدات الغزالي في عجائب مخلوقات الله تعالى وما حوته من ملاحظات علمية لطيفة في وقت لم تكن العلزم قد تحدثت وتعددت واصبحت أكثر دقة ووضوحا مما هي عليه الآن ، تكلم عن بداية الخلق من العناصر الاربعة فكانت الجمادات ثم النباتات فالحيوانات فالانسان فقال

- فأما الأجسام فهي تستحيل عن العناصر الأربعة فكل ما تحت مقعر فلك القمر مستحيل متغير ، والعناصر يستحيل بعضها إلى بعض وما عدا ذلك فهو جواهر من حوادث أخر ، والنفس من جنس تلك الجواهر لا من العناصر فهي روحانية محضة وهي نفس صغيرة موازية لنفس العالم الكبير.
ثم وصف الانسان فقال

- اعلم " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، وفهمت أن معنى ذلك خلقه خلقة على شبه العالم ، فاعلم أن الإنسان عبارة عن حيوان ناطق مائت منتصب القامة ضحاك ، فهذا حد يتناول نفسه وجسمه لضرورة الفصل بينه وبين الأشخاص الحية وإلا فقولنا حيوان ناطق يتناول نفسه فقط. ثم هذا الحيوان الناطق أعني الإنسان تنقسم جملته في التقسيم الكلي إلى ثلاثة أشياء : نفس وروح وجسم.

- فالجسم هو المؤتلف من المواد والعناصر الحاملة لروحه ونفسه وهو الشكل المنتصب ذو الوجه واليدين والرجلين الضاحك.
- وأما الروح : فهو الجاري في العروق الضوارب والشرايين.

- وأما النفس : فهو الجوهر القائم بنفسه الذي ليس هو في موضع ولا يحل شيئا

- واعلم أن الشهوة والغضب اللتين في البهائم جعلتا أيضا في ابن آدم ، ولكنه أعطي شيئا آخر زيادة عليها للشرف والكمال ، وبذلك تحصل له معرفة الله تعالى ، وجملة عجائب صنعه ، وبه يخلص نفسه من يد الشهوة والغضب وتحصل له صفات الملائكة ، ولذلك يظفر بالسباع والبهائم وتصير كلها مسخرة له

- واعلم أن في جلد ابن آدم أربعة أشياء : الكلب ، والخنزير ، والشيطان ، والملك. والكلب مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في صورته. وكذلك الشيطان والملائكة ذمهم ومدحهم في صفاتهم ، وليس ذلك في صورهم وخلقهم. وكذلك الخنزير مذموم في صفاته ، وليس بمذموم في خلقته.
- وقد أمر ابن آدم بأن يكشف ظلم الجهل بنور العقل خوفا من الفتنة كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " ما من أحد إلّا وله شيطان ولي شيطان ، وإنّ الله قد أعانني على شيطاني حتّى ملكته" وكذلك الشهوة والغضب ينبغي أن يكونا تحت يد العقل ، فلا يفعلا شيئا إلا بأمره ، فإن فعل ذلك صح له حسن الأخلاق ، وهي صفات الملائكة وهي بذر السعادة ، وإن عمل بخلاف ذلك فخدم الشهوة والغضب صح له الأخلاق القبيحة ، وهي صفات الشياطين وهو بذر الشقاء ، فيتبين له في نومه كأنه قائم مشدود الوسط يخدم الكلب والخنزير ، وكان مثله كمثل رجل مسلم يأخذ رجالا مسلمين يحبسهم عند كافرين. فكيف يكون حالك يوم القيامة إذا حبست الملك وهو العقل تحت يد الشهوة والغضب وهما الكلب والخنزير؟

- واعلم أن الإنسان في صورة ابن آدم اليوم ، وغدا تنكشف له المعاني فتكون الصور في معنى المعاني ؛ فأما الذي غلب عليه الغضب فيقوم في صورة الكلب ، وأما الذي غلب عليه الشهوة فيقوم في صورة الخنزير ؛ لأن الصور تابعة للمعاني ، وإنما يبصر النائم في نومه ما صح في باطنه. وإنما عرفت أن الإنسان في باطنه هذه الأربعة ، فيجب أن يراقب حركاته وسكناته ، ويعرف من أي الأربعة هو ، فإن صفاته تحصل في قلبه وتبقى معه إلى يوم القيامة ، وإن بقي من جملة الباقيات الصالحات شيء فهو بذر السعادة ، وإن بقي معه غير ذلك فهو بذر الشقاء ، وابن آدم لا ينفك ولا ينفصل عن حركة أو سكون ، وقلبه مثل الزجاج. وأخلاق السوء كالدخان والظلمة ، فإذا وصل إليه ذلك أظلم عليه طريق السعادة وأخلاق الحسن كالنور والضوء ، فإذا وصل إلى القلب طهره من ظلم المعاصي كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " أتبع السّيّئة الحسنة تمحها". والقلب إما مضيء أو مظلم ، ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم.

هكذا قدم الغزالي نظرية النشوء والارتقاء من المنظور الاسلامي ، أو الديني عموما ، دون ان يبحث في اصل الانواع ويفرد لها دراسات ورحلات على السفينة إيجل ليجمع الحفريات لنظريته ، فكان كما قال ابن سينا " إن ما وصل اليه هذا على ضوء المصباح وصل إليه هذا الأعمى بعكازه " ، ولا يعني الغزالى ولا يعنينا اذا كنا قد خلقنا من خلية استقرت في بطن أمهاتنا قبل تسعة اشهر ، أو قد خلقنا من خلية مشابهة استقرت في بطن الارض قبل أربعة بليون عام ، فلو كان داروين قد نظر الى نشوء الانسان وتطوره وارتقائه من الناحية العلمية المادية البحته ، فالغزالي نظر الى ارتقاء الانسان من الجانب الروحي الذي لايضعه على رأس السلسلة الغذائية وعلى قمة الهرم ، بل ليلتحق بالملأ الاعلى وبالملائكة الكروبيين فيقول الغزالي في موضع آخر ركب الله في الملائكة العقل بلا شهوة، وفي البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوتَه فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوتُه عقلَه، فهو شرٌّ من البهائم. كقوله تعالى " وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ( آل عمران 79) ومن هنا كانت البداية الفعلية لكتاب الغزالي " الحكمة في مخلوقات الله عز وجل " الذي ناقش فيه آراء أصناف الفلاسفة ، وماقاله الدهريون ، والطبيعيون ، والإلهيون ، مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو وأرسطاطاليس ، وناقش ماقالوه في الطبيعيات والمنطقيات والرياضيات والالهيات وفي مسائل بعينها مثل الجنة والنار والحشر والحساب والثواب والعقاب، وقد صنفت اصداراتهم هو وهم ومن لحق بهم من فلاسفة الشرق والغرب ورجال الدين اليهودي والمسيحي والاسلامي جميعا في ما تعارف عليه " سلسلة الخلق العظمى " ناقشها الاستاذ العقاد في كتابه القيم " الانسان في القرآن الكريم " فما هي سلسلة الخلق العظمى..


 



سنة النشر : 1978م / 1398هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 3.2 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الحكمة في مخلوقات الله

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الحكمة في مخلوقات الله
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
أبو حامد الغزالى - Abu Hamid Al Ghazali

كتب أبو حامد الغزالى أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م). كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، وكان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ إذ لم يكن للشافعية في آخر عصره مثلَه.، وكان على مذهب الأشاعرة في العقيدة، وقد عُرف كأحد مؤسسي المدرسة الأشعرية في علم الكلام، وأحد أصولها الثلاثة بعد أبي الحسن الأشعري، (وكانوا الباقلاني والجويني والغزّالي). لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته، أشهرها لقب «حجّة الإسلام»، وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين، ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ إحياء علوم الدين ❝ ❞ المنقذ من الضلال ❝ ❞ تهافت الفلاسفة ❝ ❞ مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء ❝ ❞ أسرار الحج ❝ ❞ المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ❝ ❞ منهاج العابدين ❝ ❞ المنخول في تعليقات الاصول ❝ ❞ خواص القرآن ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار الكتب العلمية بلبنان ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار زحمة كتاب للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الكرمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الفكر المعاصر ❝ ❞ دار المنهاج للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار البشائر الإسلامية ❝ ❞ دار الآفاق العربية ❝ ❞ دار الاندلس ❝ ❞ دار آفاق للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار أحياء العلوم - بيروت ❝ ❞ دار الأرقم للنشر والتوزيع - الكويت ❝ ❞ دار الميمان ❝ ❞ دار المقتبس للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ المطبعة الأميرية ❝ ❞ مطبعة الإرشاد - بغداد ❝ ❞ دار الكتب العلمية ببغداد ❝ ❞ المطبعة الادبية ❝ ❞ مكتبة القرآن للنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب أبو حامد الغزالى
الناشر:
دار أحياء العلوم - بيروت
كتب دار أحياء العلوم - بيروت ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ رحلة ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ❝ ❞ الطب النبوي للذهبي (ت. البدراوي) ❝ ❞ مختصر منهاج القاصدين ❝ ❞ أحكام القرآن للشافعي ❝ ❞ شرح ديوان امرئ القيس، ويليه أخبار المراقسة وأشعارهم وأخبار النوابغ وآثارهم في الجاهلية وصدر الإسلام ❝ ❞ الحكمة في مخلوقات الله ❝ ❞ طريقة لتخفيض الكوليسترول ❝ ❞ بلوغ المرام من أدلة الاحكام (ت: منيمنة) ❝ ❞ احکام القرآن امام شافعی ❝ ❞ ديوان امرؤ القيس ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ شمس الدين الذهبي ❝ ❞ أبو حامد الغزالى ❝ ❞ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ❝ ❞ محمد بن ادريس الشافعي ❝ ❞ ابن بطوطة ❝ ❞ عبد الرحمن بن قدامة المقدسي ❝ ❞ امرؤ القيس ❝ ❞ حسن السندوبي أسامة صلاح الدين منيمنه ❝ ❞ رمضان محمد علي الصفتاوي ❝ ❞ ابوبکر بیهقی ❝ ❱.المزيد.. كتب دار أحياء العلوم - بيروت