كتاب عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم للعابدكتب إسلامية

كتاب عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم للعابد

لم تزلْ علوم القرآن الكريم مع اللغة العربية متآخيان ومتلازمان، والقرآن يُستخرج منه الفوائد اللغوية بأنواعها وشتى صورها. فجاء هذا البحث مُجلّيًا ما قام به أئمة الإسلام على مر الشهور والأيام من عنايةٍ باللغة العربية خدمةً لكتاب الله تعالى. تأليف: أ. د. سليمان إبراهيم العايد الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد، فتلقيت دعوة كريمة، من مقامٍ كريم، لغاية نبيلة، ومقصدٍ جليل، للمشاركة في ندوةٍ مُحِضَتْ للوحي الرَّبَّانيّ، وما استنبته من علومٍ، وأحاط به من فنون، وتُعرِّفُ الجاهلَ، وتذكِّر النَّاسيَ جهوداً بُذِلَتْ في خدمة القرآن، وإن كان ذلك غير خافٍ على من أنزل القرآن، ولا غائبٍ عمّن لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، بغرضِ إبراز عملٍ رائد، وجهد ظاهر، الحديثُ عنه يشحذ الهمم، ويحفز العاملين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. وقد نصّت الدعوة على موضوع المشاركة، فلم يكن لي خيار فيه، وحدّد زمن تقديمه، كان زمناً تزاحمت عليَّ فيه الأعمال والأشغال، وكُلُّ يقول: أنا الأولى بالتقديم، وما وقفت عن تمييل النظر، وسبر غور الموضوع، حتّى شرعْتُ فيه، ولمّا تتَضح لي فكرته، قد التبست معالمه، وخفيت منائره، وعَسُر مسلكه، والتوى دَرْبُه. وهو عملٌ - في نظري - لا ينهض به بحث في ندوة، ولا تأتي عليه مقالةٌ في مجلّة؛ لاتّساع مجاله، وعمق موضوعه، ومكانتِه من نفسِ كُلِّ مسلمٍ، غير أنّ كرم الدعوة ومقامها يَحتِم عليّ أن أفعل شيئاً ما، أشارك به حملة القرآن وخدمته هَمَّهم، لعلِّي أحشر معهم، وهم قومٌ لا يشقى بهم جليسهم، والمرء يحشر مع جليسه ومع من أحبَّ، وأنال شرفاً تسمو إليه هِمّةُ المسلم. فشرعت في العمل، وليس من سَدَمي أن أقدّم فيه إحصاءً مسروداً للدواوين المدوّنة، أو المؤلّفات المؤلّفة، أو المصنّفات المصنّفة، أو المقالات المنشورة، أو التقارير المحفوظة، ولا يَسْمو العمل ليؤرِّخ لعلمٍ من العلوم، ويستوعب الحديثَ عن نشأته، وتاريخه، ومصنفاته، وأصوله وفروعه. كما أنه ليس من هَمِّه أن يستغرق الحديث في فكرةٍ ما، استغراقاً لا يدع لغيره مقالاً، أو يُدّعى فيه الإحاطة والشمول. بل هو محاولة لبيان تلازم علوم القرآن وعلوم العربيّة، وتآخيهما؛ حتّى إنّه لَيَعْسُرُ فَصْلُ أحدِهما عن الآخر، في النشأة والتاريخ، والتكوين والتأليف، والدوافع والمقاصد، حتّى صار بينهما تزاوج مكين، وتمازج وثيق متين، بحيث لا يستغني طالب علمٍ عن العلم الآخر، ولا يُؤْتي شقٌّ ثمرته - على الوجه المرضيِّ - بدون الشِّقِّ الآخر؛ لافتقار كُلٍّ إلى شِقِّه، وتعذُّر استغنائه عنه. كما توحي بذلك نشأتهما وتاريخهما، وتأكيد أهل العلم ذلك، من خلال كلماتهم، ومؤلفاتهم، وتجاربهم العملية، في الحياة العلمية. لم يمرّ بالعربيّة حدثُّ أعظم من الإسلام، ونزول القرآن على محمّد صلى الله عليه وسلم، فقد صيَّر هذا الحدث العربيَّةَ لغة مرغوباً فيها، لا لنفوذها السياسيِّ، ولا لسبقها الحضاريّ، وإنّما لمكانتها الدينيّة؛ إذ تسامى أهل البلاد المفتوحة إلى درس العربيّة، والعناية بها، من أجل تحقيق العبادة، ومن أجل تلاوة القرآن، ومن أجل فهم النصوص الشرعية، فكان من جرَّاء ذلك نشأة علوم العربية من نحو وصرف، ولغة ومعجم، وأدب وبلاغة، كُلّ ذلك وُجِدَ ليقومَ عليه درسٌ للعربيّة قويّ. وصار هذا الأمر في حسِّ المسلم عقيدةً وواجباً شرعيّاً، لا يختلف في ذلك من لغته العربيّة، ومن لغته غير العربيّة، وصارتْ لغة القرآن وما داناها من لغةٍ لغةً وهدفاً يتسامى إليه أهل الإسلام، وتَشْرَئِبُّ إليه أعناقهم، وتتطاول إليه هاماتهم، وعدوا القرآن نموذجاً أعلى للبيان العربيّ، فأقبلوا عليه يبحثون عن وجوه بيانه، وأسرار إعجازه، ممّا كان سبباً في نشأة علوم العربيّة. إنّه لولا القرآن، ولولا الإسلام لم يكن هناك عربيّةٌ كما نرى، أو لبقيَتْ العربيَّةُ لغة فئةٍ معزولةٍ عن العالم، تعيش في صحرائها، يزهد فيها العالم، ويرغب عنها إلى غيرها، غير أنَّ الإسلام نقل العربيّة إلى بُؤْرة الاهتمام العالميّ، وجعل لها الصدارة، اهتماماً، وتعلّماً، يطلبها العربيُّ وغَيْره، ويغار عليها كل مسلم، ويتمنّى أن يتقنها كُلّ مُصَلٍّ، ذلك أنّها تحلّ في قلبِ كلّ مسلم في أعلى مكانٍ منه، وهي أجلّ وأكبر لديه من كل لسانٍ، وكل لغة. دخل الناس في الإسلام، وانقادوا له راغبين أو خاضعين، فتعلّموا لسانه، ورأوا أنه لا يتمُّ لهم دينٌ إلاّ بلغته، فبادروا إلى خدمتها، والعنايةَ بها، كما بادروا إلى حفظ القرآن والسُّنَّة، ودرس التفسير والحديث، ومعرفة أصول الدين والفقه، بل جعلوا اللسان العربيّ بوّابة إلى هذه العلوم، لا يولج إليها إلاّ به، بل نسي كثيرٌ أن له لغةً غير العربيّة، وانصرف فكره إليها، حتّى إنّ بعضهم ما كان يطيب له أن يذكر لغته الأولى وقد أكرمه الله باللسان العربي، فضلاً عن أن يقارن تلك اللغة بلسانه الجديد. وفرغت فئاتٌ من المسلمين من غير العرب، من الموالي لخدمة اللسان العربيّ في مستوياته المختلفة: الصوتيّ، والصرفي، والتركيبي، والدلاليّ، لم يقتصر أمره على ما ورد به استعمال القرآن أو السُّنَّة، بل جاوزه إلى جمع اللغة، وإحصاء شاردها ونادرها، وحصر غريبها وشاذّها، في جهدٍ لم يتحقّق للغةِ من اللُّغاتِ، وعملٍ لم يحظ به لسانٌ من الأَلْسِنةِ، حتّى رأينا من مصنّفات العربية الشيء العجاب، ألّفه أو اكتتبه قومٌ ليسوا من أهلها نسباً، ولكنهم منهم ولاءً وحُبّاً.
سليمان بن إبراهيم العايد - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم للعابد ❝ ❱
من المصحف الشريف - قراءاته ونسخه كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

وصف الكتاب : لم تزلْ علوم القرآن الكريم مع اللغة العربية متآخيان ومتلازمان، والقرآن يُستخرج منه الفوائد اللغوية بأنواعها وشتى صورها. فجاء هذا البحث مُجلّيًا ما قام به أئمة الإسلام على مر الشهور والأيام من عنايةٍ باللغة العربية خدمةً لكتاب الله تعالى.

تأليف: أ. د. سليمان إبراهيم العايد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد، فتلقيت دعوة كريمة، من مقامٍ كريم، لغاية نبيلة، ومقصدٍ جليل، للمشاركة في ندوةٍ مُحِضَتْ للوحي الرَّبَّانيّ، وما استنبته من علومٍ، وأحاط به من فنون، وتُعرِّفُ الجاهلَ، وتذكِّر النَّاسيَ جهوداً بُذِلَتْ في خدمة القرآن، وإن كان ذلك غير خافٍ على من أنزل القرآن، ولا غائبٍ عمّن لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، بغرضِ إبراز عملٍ رائد، وجهد ظاهر، الحديثُ عنه يشحذ الهمم، ويحفز العاملين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وقد نصّت الدعوة على موضوع المشاركة، فلم يكن لي خيار فيه، وحدّد زمن تقديمه، كان زمناً تزاحمت عليَّ فيه الأعمال والأشغال، وكُلُّ يقول: أنا الأولى بالتقديم، وما وقفت عن تمييل النظر، وسبر غور الموضوع، حتّى شرعْتُ فيه، ولمّا تتَضح لي فكرته، قد التبست معالمه، وخفيت منائره، وعَسُر مسلكه، والتوى دَرْبُه. وهو عملٌ - في نظري - لا ينهض به بحث في ندوة، ولا تأتي عليه مقالةٌ في مجلّة؛ لاتّساع مجاله، وعمق موضوعه، ومكانتِه من نفسِ كُلِّ مسلمٍ، غير أنّ كرم الدعوة ومقامها يَحتِم عليّ أن أفعل شيئاً ما، أشارك به حملة القرآن وخدمته هَمَّهم، لعلِّي أحشر معهم، وهم قومٌ لا يشقى بهم جليسهم، والمرء يحشر مع جليسه ومع من أحبَّ، وأنال شرفاً تسمو إليه هِمّةُ المسلم.

فشرعت في العمل، وليس من سَدَمي أن أقدّم فيه إحصاءً مسروداً للدواوين المدوّنة، أو المؤلّفات المؤلّفة، أو المصنّفات المصنّفة، أو المقالات المنشورة، أو التقارير المحفوظة، ولا يَسْمو العمل ليؤرِّخ لعلمٍ من العلوم، ويستوعب الحديثَ عن نشأته، وتاريخه، ومصنفاته، وأصوله وفروعه. كما أنه ليس من هَمِّه أن يستغرق الحديث في فكرةٍ ما، استغراقاً لا يدع لغيره مقالاً، أو يُدّعى فيه الإحاطة والشمول.

بل هو محاولة لبيان تلازم علوم القرآن وعلوم العربيّة، وتآخيهما؛ حتّى إنّه لَيَعْسُرُ فَصْلُ أحدِهما عن الآخر، في النشأة والتاريخ، والتكوين والتأليف، والدوافع والمقاصد، حتّى صار بينهما تزاوج مكين، وتمازج وثيق متين، بحيث لا يستغني طالب علمٍ عن العلم الآخر، ولا يُؤْتي شقٌّ ثمرته - على الوجه المرضيِّ - بدون الشِّقِّ الآخر؛ لافتقار كُلٍّ إلى شِقِّه، وتعذُّر استغنائه عنه. كما توحي بذلك نشأتهما وتاريخهما، وتأكيد أهل العلم ذلك، من خلال كلماتهم، ومؤلفاتهم، وتجاربهم العملية، في الحياة العلمية.

لم يمرّ بالعربيّة حدثُّ أعظم من الإسلام، ونزول القرآن على محمّد صلى الله عليه وسلم، فقد صيَّر هذا الحدث العربيَّةَ لغة مرغوباً فيها، لا لنفوذها السياسيِّ، ولا لسبقها الحضاريّ، وإنّما لمكانتها الدينيّة؛ إذ تسامى أهل البلاد المفتوحة إلى درس العربيّة، والعناية بها، من أجل تحقيق العبادة، ومن أجل تلاوة القرآن، ومن أجل فهم النصوص الشرعية، فكان من جرَّاء ذلك نشأة علوم العربية من نحو وصرف، ولغة ومعجم، وأدب وبلاغة، كُلّ ذلك وُجِدَ ليقومَ عليه درسٌ للعربيّة قويّ.

وصار هذا الأمر في حسِّ المسلم عقيدةً وواجباً شرعيّاً، لا يختلف في ذلك من لغته العربيّة، ومن لغته غير العربيّة، وصارتْ لغة القرآن وما داناها من لغةٍ لغةً وهدفاً يتسامى إليه أهل الإسلام، وتَشْرَئِبُّ إليه أعناقهم، وتتطاول إليه هاماتهم، وعدوا القرآن نموذجاً أعلى للبيان العربيّ، فأقبلوا عليه يبحثون عن وجوه بيانه، وأسرار إعجازه، ممّا كان سبباً في نشأة علوم العربيّة.

إنّه لولا القرآن، ولولا الإسلام لم يكن هناك عربيّةٌ كما نرى، أو لبقيَتْ العربيَّةُ لغة فئةٍ معزولةٍ عن العالم، تعيش في صحرائها، يزهد فيها العالم، ويرغب عنها إلى غيرها، غير أنَّ الإسلام نقل العربيّة إلى بُؤْرة الاهتمام العالميّ، وجعل لها الصدارة، اهتماماً، وتعلّماً، يطلبها العربيُّ وغَيْره، ويغار عليها كل مسلم، ويتمنّى أن يتقنها كُلّ مُصَلٍّ، ذلك أنّها تحلّ في قلبِ كلّ مسلم في أعلى مكانٍ منه، وهي أجلّ وأكبر لديه من كل لسانٍ، وكل لغة.

دخل الناس في الإسلام، وانقادوا له راغبين أو خاضعين، فتعلّموا لسانه، ورأوا أنه لا يتمُّ لهم دينٌ إلاّ بلغته، فبادروا إلى خدمتها، والعنايةَ بها، كما بادروا إلى حفظ القرآن والسُّنَّة، ودرس التفسير والحديث، ومعرفة أصول الدين والفقه، بل جعلوا اللسان العربيّ بوّابة إلى هذه العلوم،

لا يولج إليها إلاّ به، بل نسي كثيرٌ أن له لغةً غير العربيّة، وانصرف فكره إليها، حتّى إنّ بعضهم ما كان يطيب له أن يذكر لغته الأولى وقد أكرمه الله باللسان العربي، فضلاً عن أن يقارن تلك اللغة بلسانه الجديد.

وفرغت فئاتٌ من المسلمين من غير العرب، من الموالي لخدمة اللسان العربيّ في مستوياته المختلفة: الصوتيّ، والصرفي، والتركيبي، والدلاليّ، لم يقتصر أمره على ما ورد به استعمال القرآن أو السُّنَّة، بل جاوزه إلى جمع اللغة، وإحصاء شاردها ونادرها، وحصر غريبها وشاذّها، في جهدٍ لم يتحقّق للغةِ من اللُّغاتِ، وعملٍ لم يحظ به لسانٌ من الأَلْسِنةِ، حتّى رأينا من مصنّفات العربية الشيء العجاب، ألّفه أو اكتتبه قومٌ ليسوا من أهلها نسباً، ولكنهم منهم ولاءً وحُبّاً.




عدد مرات التحميل : 6352 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الإثنين , 20 يونيو 2016م.
حجم الكتاب عند التحميل : 1.1 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:


 لم تزلْ علوم القرآن الكريم مع اللغة العربية متآخيان ومتلازمان، والقرآن يُستخرج منه الفوائد اللغوية بأنواعها وشتى صورها. فجاء هذا البحث مُجلّيًا ما قام به أئمة الإسلام على مر الشهور والأيام من عنايةٍ باللغة العربية خدمةً لكتاب الله تعالى.

تأليف: أ. د. سليمان إبراهيم العايد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد، فتلقيت دعوة كريمة، من مقامٍ كريم، لغاية نبيلة، ومقصدٍ جليل، للمشاركة في ندوةٍ مُحِضَتْ للوحي الرَّبَّانيّ، وما استنبته من علومٍ، وأحاط به من فنون، وتُعرِّفُ الجاهلَ، وتذكِّر النَّاسيَ جهوداً بُذِلَتْ في خدمة القرآن، وإن كان ذلك غير خافٍ على من أنزل القرآن، ولا غائبٍ عمّن لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، بغرضِ إبراز عملٍ رائد، وجهد ظاهر، الحديثُ عنه يشحذ الهمم، ويحفز العاملين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وقد نصّت الدعوة على موضوع المشاركة، فلم يكن لي خيار فيه، وحدّد زمن تقديمه، كان زمناً تزاحمت عليَّ فيه الأعمال والأشغال، وكُلُّ يقول: أنا الأولى بالتقديم، وما وقفت عن تمييل النظر، وسبر غور الموضوع، حتّى شرعْتُ فيه، ولمّا تتَضح لي فكرته، قد التبست معالمه، وخفيت منائره، وعَسُر مسلكه، والتوى دَرْبُه. وهو عملٌ - في نظري - لا ينهض به بحث في ندوة، ولا تأتي عليه مقالةٌ في مجلّة؛ لاتّساع مجاله، وعمق موضوعه، ومكانتِه من نفسِ كُلِّ مسلمٍ، غير أنّ كرم الدعوة ومقامها يَحتِم عليّ أن أفعل شيئاً ما، أشارك به حملة القرآن وخدمته هَمَّهم، لعلِّي أحشر معهم، وهم قومٌ لا يشقى بهم جليسهم، والمرء يحشر مع جليسه ومع من أحبَّ، وأنال شرفاً تسمو إليه هِمّةُ المسلم.

فشرعت في العمل، وليس من سَدَمي أن أقدّم فيه إحصاءً مسروداً للدواوين المدوّنة، أو المؤلّفات المؤلّفة، أو المصنّفات المصنّفة، أو المقالات المنشورة، أو التقارير المحفوظة، ولا يَسْمو العمل ليؤرِّخ لعلمٍ من العلوم، ويستوعب الحديثَ عن نشأته، وتاريخه، ومصنفاته، وأصوله وفروعه. كما أنه ليس من هَمِّه أن يستغرق الحديث في فكرةٍ ما، استغراقاً لا يدع لغيره مقالاً، أو يُدّعى فيه الإحاطة والشمول.

بل هو محاولة لبيان تلازم علوم القرآن وعلوم العربيّة، وتآخيهما؛ حتّى إنّه لَيَعْسُرُ فَصْلُ أحدِهما عن الآخر، في النشأة والتاريخ، والتكوين والتأليف، والدوافع والمقاصد، حتّى صار بينهما تزاوج مكين، وتمازج وثيق متين، بحيث لا يستغني طالب علمٍ عن العلم الآخر، ولا يُؤْتي شقٌّ ثمرته - على الوجه المرضيِّ - بدون الشِّقِّ الآخر؛ لافتقار كُلٍّ إلى شِقِّه، وتعذُّر استغنائه عنه. كما توحي بذلك نشأتهما وتاريخهما، وتأكيد أهل العلم ذلك، من خلال كلماتهم، ومؤلفاتهم، وتجاربهم العملية، في الحياة العلمية.

لم يمرّ بالعربيّة حدثُّ أعظم من الإسلام، ونزول القرآن على محمّد صلى الله عليه وسلم، فقد صيَّر هذا الحدث العربيَّةَ لغة مرغوباً فيها، لا لنفوذها السياسيِّ، ولا لسبقها الحضاريّ، وإنّما لمكانتها الدينيّة؛ إذ تسامى أهل البلاد المفتوحة إلى درس العربيّة، والعناية بها، من أجل تحقيق العبادة، ومن أجل تلاوة القرآن، ومن أجل فهم النصوص الشرعية، فكان من جرَّاء ذلك نشأة علوم العربية من نحو وصرف، ولغة ومعجم، وأدب وبلاغة، كُلّ ذلك وُجِدَ ليقومَ عليه درسٌ للعربيّة قويّ.

وصار هذا الأمر في حسِّ المسلم عقيدةً وواجباً شرعيّاً، لا يختلف في ذلك من لغته العربيّة، ومن لغته غير العربيّة، وصارتْ لغة القرآن وما داناها من لغةٍ لغةً وهدفاً يتسامى إليه أهل الإسلام، وتَشْرَئِبُّ إليه أعناقهم، وتتطاول إليه هاماتهم، وعدوا القرآن نموذجاً أعلى للبيان العربيّ، فأقبلوا عليه يبحثون عن وجوه بيانه، وأسرار إعجازه، ممّا كان سبباً في نشأة علوم العربيّة.

إنّه لولا القرآن، ولولا الإسلام لم يكن هناك عربيّةٌ كما نرى، أو لبقيَتْ العربيَّةُ لغة فئةٍ معزولةٍ عن العالم، تعيش في صحرائها، يزهد فيها العالم، ويرغب عنها إلى غيرها، غير أنَّ الإسلام نقل العربيّة إلى بُؤْرة الاهتمام العالميّ، وجعل لها الصدارة، اهتماماً، وتعلّماً، يطلبها العربيُّ وغَيْره، ويغار عليها كل مسلم، ويتمنّى أن يتقنها كُلّ مُصَلٍّ، ذلك أنّها تحلّ في قلبِ كلّ مسلم في أعلى مكانٍ منه، وهي أجلّ وأكبر لديه من كل لسانٍ، وكل لغة.

دخل الناس في الإسلام، وانقادوا له راغبين أو خاضعين، فتعلّموا لسانه، ورأوا أنه لا يتمُّ لهم دينٌ إلاّ بلغته، فبادروا إلى خدمتها، والعنايةَ بها، كما بادروا إلى حفظ القرآن والسُّنَّة، ودرس التفسير والحديث، ومعرفة أصول الدين والفقه، بل جعلوا اللسان العربيّ بوّابة إلى هذه العلوم،

لا يولج إليها إلاّ به، بل نسي كثيرٌ أن له لغةً غير العربيّة، وانصرف فكره إليها، حتّى إنّ بعضهم ما كان يطيب له أن يذكر لغته الأولى وقد أكرمه الله باللسان العربي، فضلاً عن أن يقارن تلك اللغة بلسانه الجديد.

وفرغت فئاتٌ من المسلمين من غير العرب، من الموالي لخدمة اللسان العربيّ في مستوياته المختلفة: الصوتيّ، والصرفي، والتركيبي، والدلاليّ، لم يقتصر أمره على ما ورد به استعمال القرآن أو السُّنَّة، بل جاوزه إلى جمع اللغة، وإحصاء شاردها ونادرها، وحصر غريبها وشاذّها، في جهدٍ لم يتحقّق للغةِ من اللُّغاتِ، وعملٍ لم يحظ به لسانٌ من الأَلْسِنةِ، حتّى رأينا من مصنّفات العربية الشيء العجاب، ألّفه أو اكتتبه قومٌ ليسوا من أهلها نسباً، ولكنهم منهم ولاءً وحُبّاً.

اللهم اجعل القرآن العظيم  انواع القسم في القران :خصائص القران الكريم    :خصائص القران الكريم pdكل مايخص القران العظيم 

القراءات العشر. خصائص القران الكريم مع الدليل , خصائص القران الكريم والغاية من انزاله,تفسير القرآن العظيم ابن كثير

القرآن تدبر وعمل. المعجزة الكبري ,لمسة بيانية في نصوص من التنزيل ,اوسط كلمة في القران.كل ما يخص القران الكريم,كل مايخص القران الكريم , كتب تفسير للقران الكريم , كتب تجويد للقران الكريم , كتب قراءات للقران الكريم 



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم للعابد
سليمان بن إبراهيم العايد
سليمان بن إبراهيم العايد



كتب اخرى في المصحف الشريف - قراءاته ونسخه

نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى بين الترجمة والتفسير PDF

قراءة و تحميل كتاب نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى بين الترجمة والتفسير PDF مجانا

المظاهر الصرفية وأثرها في بيان مقاصد التنزيل PDF

قراءة و تحميل كتاب المظاهر الصرفية وأثرها في بيان مقاصد التنزيل PDF مجانا

حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية PDF

قراءة و تحميل كتاب حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية PDF مجانا

نظرات لغوية في بعض الترجمات الأردية لمعاني القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب نظرات لغوية في بعض الترجمات الأردية لمعاني القرآن الكريم PDF مجانا

ترجمة سورة الفاتحة: دراسة مقارنة في أشهر ترجمات القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب ترجمة سورة الفاتحة: دراسة مقارنة في أشهر ترجمات القرآن الكريم PDF مجانا

تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية PDF

قراءة و تحميل كتاب تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية PDF مجانا

نزهة المشتغلين في أحكام النون الساكنة والتنوين لابن القاصح دراسة وتحقيق PDF

قراءة و تحميل كتاب نزهة المشتغلين في أحكام النون الساكنة والتنوين لابن القاصح دراسة وتحقيق PDF مجانا

تأملات قرآنية: من نبإ موسى وفرعون PDF

قراءة و تحميل كتاب تأملات قرآنية: من نبإ موسى وفرعون PDF مجانا

المزيد من كتب علوم القرآن في مكتبة كتب علوم القرآن , المزيد من كتب إسلامية متنوعة في مكتبة كتب إسلامية متنوعة , المزيد من إسلامية متنوعة في مكتبة إسلامية متنوعة , المزيد من كتب الفقه العام في مكتبة كتب الفقه العام , المزيد من كتب التوحيد والعقيدة في مكتبة كتب التوحيد والعقيدة , المزيد من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف في مكتبة مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف , المزيد من كتب أصول الفقه وقواعده في مكتبة كتب أصول الفقه وقواعده , المزيد من التراجم والأعلام في مكتبة التراجم والأعلام , المزيد من السنة النبوية الشريفة في مكتبة السنة النبوية الشريفة
عرض كل كتب إسلامية ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..